الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

تجسد المسيح وولادته (2)

الفصل التاسع عشر

 

سنتناول في هذا الفصل ضرورة تجسد المسيح واستجابات بشرى ولادته.

موجود قبل ولادته

لا بأس من أن نذكر بأن يسوع المسيح كان موجوداً بالفعل قبل أن يحبل به في أحشاء مه القديسة المباركة العذراء مريم.  ومن الأدلة الكثيرة على ذلك قول الوحي عن المسيح: "والكلمة صار جسداً." يوحنا 1: 14.

 

التجسد ضروري للفداء

كان تجسد المسيح حلقةً لا غنىً عنها في الخطة الإلهية للخلاص.  أولاً, كان ضرورياً أن يصير كلمة الله الأزلي إنساناً مثلنا لكي يكون قابلاً للموت ويموت فداءً للبشر.  وكان ضرورياً أن يكون هذا الإنسان الذي يموت كامل اللاهوت أيضاً لكي يحمل موته قيمةً شاملةً لكي يغطي الفداء البشر كلهم.  ثانياً,كان التجسد ضرورياً حتى يستطيع المسيح في ناسوته أن يمثل الإنسان, وفي لاهوته الله في عملية المصالحة بينهما.  سبق أن قال أيوب في بحثه اليائس عن مثل هذا الوسيط بينه وبين الله: "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا." أيوب 9: 33.  فكان لازماً أن يتجسد المسيح ليكون كاهناً يتبنى قضية المؤمنين باسمه لدى الله.  وكان ضرورياً أن يكون هذا الكاهن الله أيضاً لكي يكون حياً على الدوام وقادراً على القيام بمسؤوليات الشفاعة. عبرانيين 7: 25.  ثالثاً, جاء المسيح في الجسد لكي يبدأ جنساً مختلفاً، جنساً روحياً سماوياً، بدلاً من جنس آدم الأرضي الميال إلى الخطية.  تقول كلمة الله:  "صار آدم، الإنسان الأولً، نفساً حيةً، وآدم الأخير (أي المسيح) روحاً محييا.. الإنسان الأول من الأرض ترابي.  الإنسان الثاني (هو) الرب من السماء.  كما هو الترابي هكذا الترابيون.  وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضاً."1 كورنثوس 15: 45، 47-48.  وسيظهر هذا الجنس الروحي السماوي في كامل لقه وعزه في القيامة.  رابعاً, تجسد المسيح لكي يقدم للبشرية مثالاً لحياة التقوى بقوة روح الله.  قال السيد، "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب."متى 11: 29.   خامساً, اتخذ السيد الطبيعة "البشرية أيضاً لكي يبطل أعمال إبليس. 1 يوحنا 3: 8.  جاء لكي يشفي ويحرر ويحيي.  وتجسد المسيح لكي يصير الله معروفاً فيه ومن خلاله على نحو كامل ومباشر.  وقد تناولنا هذه النقطة الأخيرة في الفصل السابق. سادساً, تجسد المسيح لكي يشكل جسده نوعاً من الحماية الضرورية للبشر في مواجهتهم لمجد الله.  فقد خشي كثيرون على حياتهم من مثل هذه المواجهة, مثل موسى ووالدي شمشون وإشعياء .

 

التجسد ليس أمراً غير منطقي

لنبد بالقول إن تجسد الله في المسيح أمر ممكن جداً لله. فليس صعباً على ذاك الذي تجلى لموسى في عليقة,وهي نبات, وعلى جبل سيناء, وهو جماد, أن يتجلى في جسد بشري.

 

اختيار مريم العذراء أماً للكلمة المتجسد

وقع اختيار الله في نعمته على فتاة تقية من الناصرة مخطوبة لرجل اسمه يوسف لتكون ماً للمسيح الموعود.  ظهر لها الملاك جبرائيل وقال:" سلام لك المنعم عليها!  الرب معك.  مباركة أنت في النساء."لوقا 1: 28.  اضطربت, فهد من روعها قائلاً: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمةً عند الله.  وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع.  هذا يكون عظيماً، وابن العلي يدعى, ويعطيه الرب الإله كرسي أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية." لوقا 1: 30-33

 

ولد عظيماً ليكون عظيماً

لنلاحظ أولاً المنزلة العظيمة التي رفعت إليها هذه البنت التقية لأنها اختيرت أماً ليسوع.  فكم تكون عظمة يسوع نفسه وقدره!  ثانياً، إنه يبشرها بأنها ستحبل فوراً لتكون أم المسيح الموعود الذي كان حلم كل فتاة من بني إسرائيل أن تكون أماً له.  ثالثاً، سيكون ابنها عظيماً.  وليس ممكناً إل أن يكون المسيح عظيماً فوق كل مقياس معروف للعظمة.  فهو فريد في هويته ودوره وكل ما يتعلق به.  رابعاً، تبرز هويته من كونه يدعى ابن العلي.  ولا يكون الابن إل على طبيعة أبيه، وهو يستمد قدره منه.  خامساً، سيكون هو أيضاً مؤسس ملكوت الله الموعود لملك من نسل داود.  فهو ينتمي إلى داود من حيث نسبه البشري.  ولن يكون لملكه نهاية.  هذا تصور أساسي من تصورات الكتاب المقدس للمسيح.  ومن يؤمن أن يسوع هو المسيح لا بد أن يؤمن بالتالي بأن الله لا يعترف بغيره ملكاً أو مؤسساً لجماعة روحية.  وما دام حياً، فما من أحد يخلفه.

 

الآب والروح القدس مشتركان في إتمام عملية التجسد

"فقالت مريم للملاك: ’كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟" لوقا 1: 34. هذا استفسار مشروع من فتاة فاضلة تحافظ على تقواها.  أجابها الملاك:" الروح القدس يحل عليك, وقوة العلي تظللك, فلذلك أيضاً القدوس المولود  منك يدعى ابن الله." لوقا 1: 35 نجد هنا الله الواحد بأقانيمه الثلاثة يعمل على إحداث عملية التجسد.  فهنالك الروح القدس الذي يحل على مريم.  والروح القدس كما سبق أن بينا هو روح الله.  ولا يوجد أي تلميح ولو من بعيد إلى اتصال جنسي وراء تعبير حلول الروح القدس.  وقد وظف الآب العلي قوته أيضاً لكي يحدث عملية التجسد ويهيئ جسد مريم المباركة لها.  ويخبرنا الوحي في الرسالة إلى العبرانيين أن الله الآب هو الذي أعد الجسد الذي سيقدر للابن أن يسكنه إلى الأبد.  يقول على لسان المسيح مخاطباً الله الآب: "هيت لي جسداً."عبرانيين 10: 5.

المسيح يشارك في عملية التجسد بإخلاء نفسه

غير أن دور الابن لم يكن دور المستسلم السلبي.  بل كان فاعلاً.  إذ يوضح الوحي الإلهي أن المسيح هو الذي قام بمبادرة التجسد، حيث كان دوره إخلاء نفسه من مظاهر المجد الإلهي.  يقول: "أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس."فيلبي 2: 7.  لنلاحظ كيف أن النص وضع الروح القدس والله الآب العلي وابن الله المولود على نفس المستوى.  ونجد أن تعبير "لذلك أيضاً" يربط الروح القدس والعلي بابن الله.  والأقانيم الثلاثة مشتركون في إحداث عملية التجسد.    وهذا يعني أن الله الواحد استخدم كل قوته في ضمان سلامة علمية التجسد لكي يحتملها جسد مريم المباركة.  وكان هذا ضرورياً أيضاً لضمان نقاء حالة جسد يسوع.  ولعل هدفاً رئيسياً لهذه العملية هو أن يعطى جسد يسوع القدرة  على احتضان ملء لاهوته بكل راحة.  وهذا أمر ممكن ومستطاع عند الله.  وتدل العناية الفائقة هنا والقوة الإلهية الهائلة المستخدمة على أن هذا حدث عظيم فعلاً.

 

دور مريم المباركة وتعاونها

غير أنه لا يجوز لنا أن نغفل هنا العنصر البشري.  فلقد كانت هذه العملية منوطةً بموافقة مريم.  إذ ما كان في مقدور الله أن يفرض على القديسة المباركة مريم العذراء ما يمكن أل ترضاه.  فقد كان الثمن الذي ستدفعه باهظاً.  فماذا سيظن فيها الناس؟  وهل سيؤدي هذا إلى شك خطيبها فيها وفسخ خطبتها؟  وهل يمكن أن يصل الأمر إلى إقامة الحد عليها؟  وإنه لأمر طبيعي أل يستخدم الله أحداً رغماً عنه.لكن القديسة المباركة عرفت أن دعوة الله لها دعوة سامية.  فكان أي ثمن تدفعه زهيداً جداً بالمقارنة مع امتياز استخدام الله لها على نحو مجيد.  فقالت مريم للملاك جبرائيل: "هوذا أنا مة الرب.  ليكن لي كقولك." لوقا 1: 38.  هذا هو لسان حال الإيمان العظيم.

 

هل يوجد وجه شبه بين آدم والمسيح في ولادتيهما

لم يكن للمسيح أب بشري. فهل كان مثله هنا كمثل آدم؟  لا توجد أية مقارنة على الإطلاق.  فآدم مخلوق لم يكن موجوداً قبل خلقه.  وقد بينا في حلقات سابقة أن المسيح هو الخالق.  خلق آدم من تراب مباشرة.  ولا ينطبق هذا على المسيح.  فآدم مخلوق غير مولود.  أما المسيح فمولود غير مخلوق.  ولم يكن لآدم أم.   أما المسيح المولود فأمه هي مريم القديسة المباركة.    لم يمر آدم بفترة نمو كجنين في أحشاء امرأة؛ فكان تشكله أمراً فورياً.  بل وجد نفسه فجأةً موجوداً كرجل مكتمل النمو بلا طفولة ولا ماض ولا تاريخ.  أما المسيح فمر بفترة نمو لجسده كجنين. نفخ الله في آدم نسمة حياة فصار نفساً حية. أما المسيح فهو الذي يهب الحياة.  بل "فيه كانت الحياة" يوحنا 1: 4. نفسها كما يقول يوحنا تلميذه ورسوله بوحي الله.  وقد كان حياً على الدوام قبل أن يوجد على هيئة جنين.  تشكل آدم بتلك الطريقة ودون أب بحكم الضرورة في غياب أي بشر قبله.  أما المسيح فجاء دون أب بشري على الرغم من وجود بشر قبل ولادته. فأين وجه الشبه؟

 

الله يسرع إلى تبرئة مريم

أدرك يوسف أن خطيبته حبلى.  "فيوسف رجلها إذ كان باراً، ولم يش أن يشهرها، أراد تخليتها سراً."  لكن الله لم يكن ليترك مريم تحارب على جميع الجبهات وحدها.  فظهر ملاك من عند الرب ليوسف في حلم قائلاً: "يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك.  لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس.  فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع.  لأنه يخلص شعبه من خطاياهم." متى 1: 20-21  وهكذا هب الله إلى معونة مته الوفية.  وكما سبق أن بينا في فصل سابق، فإن اسم يسوع يعني "الرب يخلص".  وقلنا إن هذا اسم على مسمى، حيث إن هذا الذي يخلص شعبه من خطاياهم هو صاحب الاسم.  فالنص اليوناني الأصلي يقدم تبريراً للاسم في نبرة توكيدية.  فالشعب هو شعب يسوع، وهو الذي سيخلصهم من خطاياهم. انظر الفصل الرابع عشر.

 

مولد الرب المخلص مصدر فرح

وظهر ملاك لرعاة حاملاً لهم بشرى مولد المسيح.  قال لهم: "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب:  أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب." لوقا 2: 11.  ومرةً أخرى، يحدد الملاك هوية الطفل المولود.  إنه مخلص، وهو أيضاً المسيح المنتظر.  وهذا المسيح المخلص هو الرب نفسه.  ويتخذ هذا الإعلان أهميةً قصوى في ضوء تحديد العهد القديم هوية المخلص وربطه بالرب الإله مباشرةً.  يقول النبي إشعياء على لسان الرب: "قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون.  أنا الرب وليس غيري مخلص."  إشعياء 43: 11.  فلا يوجد مخلص غير الرب, والمسيح مخلص.  والمسيح هو الرب كما يقول النص.  فلا عجب أن الرعاة قرروا الذهاب في لهفة فوراً إلى بيت لحم لرؤية المولود الفريد العظيم.

 

سمعان صار مستعداً للموت بعد أن التقى بالمخلص

وأخذت مريم ويوسف يسوع فيما بعد إلى أورشليم لكي يقدماه للرب.  "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان.  وهذا الرجل كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل، والروح القدس كان عليه.  وكان قد وحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب.  فأتى بالروح إلى الهيكل.  وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه، ليصنعا له حسب عادة الناموس، أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: ’الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب." لوقا 2: 25-31.

 

يسوع هو الخلاص نفسه

لقد علق الأتقياء آمالهم على ذاك الذي سيكون وحده مسيح الرب الذي سيحقق الخطوة الحاسمة في الخلاص.  وأدرك سمعان أنه تيحت له أخيراً فرصة فريدة ثمينة لمعاينة ذاك الذي سيكون في شخصه وأعماله "تعزيةً" لمنتظريه.  غير أن المثير للاهتمام هنا هو أنه يشير إلى يسوع المسيح بصفته "الخلاص" أو "خلاص الله" نفسه.  ويوحد هذا بطريقة ذات دلالة بين شخص المسيح ووظيفته.  فليس الخلاص مجرد عمل يقوم به المسيح، مع أنه قام بعمل الخلاص الأعظم على الصليب.  لكن المسيح نفسه تجسيد لكل ما نحتاجه من خلاص، لا للفداء فحسب، بل في كل جوانب حياتنا المختلفة.  فمهما كانت مشكلتك، فإن حاجتك هي إلى واحد، ألا وهو المسيح.  ويحقق لك المسيح خلاصاً فعلياً لا وهمياً.  أما الأمر الآخر الهام فهو أن المسيح خلاص لكل الشعوب كما يؤكد سمعان بالروح.  فالله هو إله الجميع.  والجميع محتاجون إلى خلاصه.  وها قد صار سمعان مستعداً لأن يواجه الموت بعد أن استقبل المسيح بفرح.

 

نجم يهدي المجوس إلى "نجم النجوم"

وبعد فترة جاء مجوس من المشرق لرؤية مولود بيت لحم.  قالوا: "أين هو المولود ملك اليهود؟  فإننا قد رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له."متى 2:2.  هداهم نجم إلى نجم النجوم.  قالوا إنهم رأوا نجمه، أي نجماً خاصاً مميزاً يدل عليه وحده دون غيره.  كان نجماً لا يجوز الخلط بينه وبين أي نجم آخر.  فالسماء نفسها والخليقة تقود إليه.  وما علينا إل أن نتبع هدي الله.  فهل كان هذا النجم نفس مجد شكينة الله الذي قاد بني إسرائيل قديماً نهاراً في سحابة، وليلاً في عمود نار؟ "لا ندري على وجه اليقين، لكن ما ندريه هو أن المسيح لا يترك نفسه بلا شاهد.

 

عبد المجوس الطفل يسوع

انطلق المجوس إلى بيت لحم لما سمعوا أن المسيح يولد هناك.  "وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبي.  فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً.  وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم مه.  فخروا وسجدوا له.  ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا، ذهباً ولباناً ومراً." لوقا 2: 10-11.  قطع هؤلاء المجوس مسافات طويلةً شاقةً.  واحتملوا أخطار السفر وتكاليفه.  جاءوا وسجدوا لطفل.  فهل شكوا لحظةً واحدةً أن هذا طفل لا يفهم العبادة ولا يشعر بها ولا يستحقها؟  إن الجواب هو قطعاً "لا".  لقد قدموا له هدايا لائقةً به بصفته الرب الملك.  فهل تقدم له أغلى ما لديك... قلبك وحياتك؟

 

أسئلة الفصل التاسع عشر
اشرح: "صار كلمة الله الأزلي إنساناً ليكونَ قابلاً للموت"؟
اذكر عدة أسباب دعت الله إلى التجسُّد في المسيح؟
من الذي اشترك في عملية الحبل بالمسيح حسب لوقا 1: 35؟
ما هي بعض أوجه الخلاف بين ولادة المسيح وخلق آدم؟


www.agape-jordan.com - 2005