الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

تجسد المسيح وولادته (3)

الفصل العشرون

 

  نتناول في هذا الفصل ما هو متضمن في عملية تجسد المسيح.

 

تجسد المسيح تواضع كبير

قلنا في الفصل السابق إن المسيح أخذ المبادرة إلى التجسد.  وينطق هذا التجسد بتواضع عظيم وإنكار للذات لا مثيل له.  بل إنه وحده مستحق أن يسمى تواضعاً حقاً؛ فكل تواضع آخر زيف وادعاء.  فحين يتنازل ملك مثلاً فيزور بيت رجل فقير، فإنه يزور شخصاً يشترك معه في اللحم والدم.  فكلاهما بشر رغم اختلاف ظروفهما.  أما حين يأتي الله إلينا متجسداً، أي مشتركاً في طبيعتنا البشرية، فإنه يدخل حالةً أدنى إلى حد لا يقاس مما هو جدير به.  فقد اتخذ طبيعةً بشريةً مماثلةً لتلك التي صنعها بصفته الخالق.  ولو جاء إلى الأرض ليحيا حياة ملك عظيم محاط بأسباب العظمة ومظاهر المجد، لكان حتى هذا تواضعاً حقيقاً منه.  فهو أكثر من ملك إلى حد لا يقاس أيضاً.  والملوك هم صنْعة يديه.  ومجد الملوك الأرضيين حالةً وضيعة بائسة بالمقارنة- إن كان هنالك أي وجه للمقارنة – مع حالته السماوية.  لكنه لم يأت حتى ليحيا كملك مجيد أو حتى كشخص توفرتْ له أسباب الراحة المادية.  بل إنه ولد في حظيرة للبقر لأنه لم يتوفرْ مكان آخر يقبل به.  وتخبرنا كلمة الله بالمزيد.

 

عقلية المسيح 

يخاطب بولس رسول المسيح بوحي الله جماعة المؤمنين فيقول: "فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة بنفس واحدة، مفتكرين شيئاً واحداً، لا شيئاً بتحزب أو بعجْب، بل بتواضع، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم.  لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً.  فليكنْ فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً: الذي إذْ كان في صورة الله، لم يحسبْ خلْسةً أن يكون معادلاً لله.  لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبْه الناس.  وإذْ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت, موت الصليب.  لذلك رفعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممنْ في السماء ومنْ على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب."فيلبي 2:2-11.

 

اهتم باحتياجاتنا لا بحقوقه

يريدنا الوحي في هذا المقطع العظيم أن نتبنى نفس عقلية المسيح.  فهو بدافع من محبته وتواضعه لم يتمسكْ بوضعه السماوي الذي يتساوى فيه مع الله الآب والروح القدس.  ولم يصر على البقاء في تلك الحالة السماوية المجيدة تفضيلاً لراحته الشخصية.  لكنه وضع في اعتباره القصد المشترك الذي يجمعه مع الله الآب والله والروح القدس، ألا وهو قصد الفداء.  ودفعتْه محبته لله الآب والروح القدس المعادلين له في الجوهر, وأيضاً للبشر الذين يتفهم حاجاتهم, إلى إنكار ذاته.  فعندما قرر الله الواحد ضمن الثالوث الأقدس حسب المشورة الأزلية ضرورة تجسد المسيح، لم يترددْ ولم يتأخرْ.  وخلفية هذا الحديث واضحة في الصورة البشرية بين الإخوة المؤمنين ضمن الجماعة المحلية الواحد.  إذْ يقول بولس إنهم إخوة متساوون يفترض أن تدفعهم محبتهم لله وبعضهم لبعض إلى ممارسة روح التضحية.  فلا يجب أن يصر الواحد منهم في تمحْوره على ذاته على نوال كل حقوقه بطريقة تحوْل دون تحركه لسد حاجات الآخرين.  ولا يجب أن يحسب أنه فوقهم.  فلا يوجد مبرر لذلك لأنهم إخوة يعتمدون جميعاً على نعمة الله.  والوضع ضمن الثالوث الأقدس هو أيضاً وضع التساوي.  فليس هنالك من هو أعلى أو أدنى.  فجوهر اللاهوت مشترك بين الأقانيم الثلاثة.  ولأنه لا يوجد أي نوع من عدم الانسجام أو التنافس في الذات الإلهية الواحدة، لم يصر المسيح مثلاً على أن الآب والروح القدس هو الذي ينبغي أن يتجسد بدلاً منه.  فهذه روح لا يعرفها المسيح وأمر غير وارد.

 

كان دائماً في "صورة الله"

يقول النص "الذي إذ كان في صورة الله"، أي الذي رغْم أنه كان على الدوام يتمتع بذات جوهر الله.  فهذا هو معنى النص في لغته اليونانية الأصلية.  فالكلمة المترجمة إلى "كان" لا ترد في صيغة الفعل الماضي.  وربما كان أفضل أن تترجم العبارة إلى "الذي في كونه على الدوام على نفس جوهر الله."  ثم يقول إنه على الرغم من مساواته لله الآب بحكْم الجوهر الواحد الذي يجمعهما، إل أنه لم يتمسكْ بوضْعه المعادل لله هذا ببقائه في السماء.  ويمكن أن يفهم النص بسهولة أيضاً على أنه يقول إن المسيح لم يعتبرْ مساواته لله الآب اختلاساً، لأنها شيء من حقه.  إنها أمر عادي مفروغ منه بالنسبة له.  فالفكرة هنا هي أن السيد لم يتشبثْ حتى بالحق الذي له, فأخلى نفسه.

 

إخلاء طوعي للنفس

يتحدث النص عن قيام المسيح بإخلاء نفسه أو التخلي عن مظاهر المجد السماوية أو الحالة السماوية المجيدة طوعاً.  فلم يفرض عليه شيء.  فالنص يقول إنه هو الذي "أخلى نفسه".  وهذا هو المثال الذي يجب أن يتذكْر المؤمنون به أن يقتدوا به.  فلا يجب أن يدفعوا دفعاً إلى التنازل عن حق أو التضحية بامتياز.  ولا ينبغي أن ينتظروا حتى يحْرجهم أحد بلفت انتباههم إلى ضرورة ذلك من أجل مصلحة الآخرين.  إذ يجب أن تكون هذه العقلية متأصلةً فيهم بقوة على نحو شْبه بالغريزة.  أخلى السيد نفسه لكي يتخذ جسداً، أي لكي يصير لحماً ودماً.  يقول: "آخذاً صورة عبد" أي أنه أخذ الطبيعة البشرية ذاتها.  لنلاحظْ هنا أن الوحي يستخدم نفس الكلمة "صورة" مطبقاً إياها على الجوهر البشري أيضاً.  كان المسيح في صورة الله على الدوام.  وها هو يصير الآن على صورة الإنسان.  كان الله في طبيعته دائماً، وها قد صار أيضاً إنساناً في طبيعته.

 

لم يطرأ أي تغيير على طبيعة المسيح الإلهية في التجسد

إنه لأمر هام هنا أن ندرك أن الوحي لا يتحدث عن تحول في الطبيعة الإلهية أو توقف لعملها.  فالله لا يمكن إل أن يبقى الله على الدوام.  لكن ما يتحدث عنه هو أن المسيح اكتسب إلى جانب طبيعته الإلهية الأصيلة طبيعةً جديدةً لم تكن له.  إنها الطبيعة البشرية.  فهو شخص واحد ذو طبيعتين.  بقيتْ طبيعته الإلهية كما هي بعد تجسده وموته وقيامته وصعوده, كما كانت قبل ذلك كله.  ولهذا يقول الوحي: "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد."عبرانيين 13: 8.  وعدم التغير في الجوهر هو من متطلبات اللاهوت.  اتخذ السيد طبيعةً بشريةً مثل طبيعتنا، فصار إنساناً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.  لكن لم تتداخل الطبيعتان.  ولم تؤثرْ إحداهما في الأخرى.  فلم تضعفْ أو تخْملْ طبيعته الإلهية الأصيلة طبيعته البشرية.  ولم تلغ طبيعته البشرية المكتسبة أي جانب من طبيعته الإلهية.  وإن من الخط الجسيم الحديث عن طبيعة واحدة جمعتْ عناصر إلهيةً وأخرى بشرية.  إذ لم يكن المسيح شبهْ إله وشبْه إنسان.  فهو الله في كمال لاهوته، وإنسان في كامل ناسوته.  فالصواب، كما يشير الوحي، هو الحديث عن وجود طبيعتين كاملتين للمسيح.  فسواء تطرق نص كتابي إلى الحديث عن خبراته البشرية كالجوع والعطش والتعب، أم تطرق إلى الحديث عن وظائفه الإلهية، فإنه يتحدث عن نفس الشخص الواحد.

 

طبيعتان موجودتان معاً

يتوجب تجنب الخلط بين مظاهر الطبيعتين.  فإحداهما لا تنفي الأخرى.  فإن القول مثلاً إن المسيح "كان يأكل الطعام" لا ينفي لاهوته، لكنه يثبت ناسوته.  وإن القول إن المسيح "يغفر الخطايا" لا ينفي ناسوته، وإنما يثبت لاهوته.  فلكل خبرة أو وظيفة مجالها.  فلا يضع الكتاب المقدس الجانب البشري من يسوع في تناقض مع الجانب الإلهي.  وهو لا يحاول أن ينفي جانباً على حساب الآخر، أو أن يثبت جانباً على حساب الآخر.  لكنه يفترض بشكل طبيعي أنهما موجودان معاً.  ويمكن لأي شخص يقر الكتاب المقدس أن يبرهن منه أن المسيح إله كامل.  ويمكن لشخص آخر بنفس الطريقة أن يثبت من الأناجيل أن المسيح إنسان كامل الناسوت.  ونحن نتفق مع كل منهما.  لكن ما لا يقْبله الكتاب المقدس هو أن تكون إحدى تلك الحقيقتين مانعةً للخرى.  فقد تحدث عن المسيح رسوله بولس بصفته إنساناً دون أن يقصد أن ينفي لاهوته.  يقول: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: (ألا وهو) الإنسان يسوع المسيح."1 تيموثاوس 2: 5.  فهو يقول إنه إله في نفس الموضع الذي يصفه فيه بأنه إنسان.  فليست القضية هذا أو ذاك، بل كلاهما في نفس الوقت.

 

شخص واحد وطبيعتان

ويتوجب إيضاح أمر آخر هنا.  فعندما نقول إن كلمة الله تجسد في المسيح، فإننا لا نعني أننا أمام شخصين مختلفين.  ولا نقصد أن المسيح صار ابن الله بعد أن لم يكن بسبب طارئ.  فكلمة الله والمسيح شخص واحد.  ولا يوجد شخصان مختلفان يسكنان جسد المسيح.  فلا يوجد أي ازدواج أو ثنائية هنا.  فلم يكن المسيح يحاور نفسه أو شخصاً آخر في داخله.  ولم يتحدثْ عن نفسه لا بلغة المثنى ولا بلغة الجمع، بل كان يستخدم لغة المتكلم المفرد "أنا" دائماً، على الرغم من وجود طبيعتين متميزتين فيه.  وللتدليل على ذلك, كان الوحي في إشارته إلى المسيح بصفته الإلهية يستخدم أحياناً قرينةً من طبيعته البشرية, كما في حديثه عن "الكنيسة التي اقتناها الله بدمه." أعمال 20: 28  فمن الواضح أن الدم يخص الطبيعة البشرية للمسيح.  لكن لأن المسيح هو الله أيضاً, لم يجد الوحي حرجاً في استخدام هذا التعبير.  والعكس صحيح أيضاً. فحبن كان الوحي يشير إلى المسيح بصفته البشرية, لم يترددْ في نسبة قرينة إلهية إليه, كما في قول المسيح عن نفسه "إن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا."مرقس 2: 10

 

المسيح إنسان مثلنا مع تحفظ!

غير أن حديث الوحي عن صيرورة المسيح "في شبْه الناس" يضع أمامنا تحفظاً.  فالمسيح صار مثْلنا في طبيعته البشرية, لكنه لم يكن مثلنا تماماً.  إذْ كان مختلفاً عن كل بشر في أنه لم يعرف الخطية في خبرته كلها- لا في طبيعته ولا في فكره ولا في ميله ولا في سلوكه.  فمع أنه جرب مثلنا في كل شيء، إلا أنه ظل "بلا خطية".عبرانيين 4: 15.  وسوف نعود إلى هذه المسألة في فصل قادم.

 

الجسد ليس شريراً

ولا بد من الإشارة هنا إلى تصور مغلوط لدى بعض المتأثرين بالفلسفة اليونانية.  إذْ يقولون إن كل مادة نجسة وإن كل جسد شرير.  لكن هذا بعد ما يكون عن الصحة.  فما كان الله ليخلق شيئاً نجساً في حد ذاته.  ولو كان هذا صحيحاً لصح بناءً عليه اتهام الله بفعل شيء شرير.  وحاشا لله أن يفعل ذلك!  وعلى هذا فإن اتخاذ يسوع لجسد لا يسوغ اتهامه بنقص أو شر.

 

تواضع حتى الموت

ونعود إلى نصنا الذي يقول: "وإذْ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت, موت الصليب."  تتحدث هذه الآية عن خطوة أخرى خطاها المسيح على طريق التواضع.  لم يكتف المسيح بأنْ تجسد وصار إنساناً.  لكنه رضي في تواضعه أن يموت ميتةً لا يرضاها أحد من البشر لنفسه.  إنها ميتة الصليب البشعة.  إنها ميتة العار التي تنتظر المجرمين.  ولقد حرم القانون الروماني الذي احترم كرامة المواطن الروماني أن يموت أي مواطن من أبنائه هذه الميتة.  أما المسيح فقد رضيها عنك أخي الكريم، وعنك أختي الكريمة.  فهو لا يريد لك أو لك ميتة العار الأبدي في جهنم.

 

مجد الله المسيح مجداً على مجد

ويأتي بعد هذا الترفيع والتمجيد.  لقد رفض اليهود المسيح في تواضعه، وقتلوه بكل خسة.  ولو آمنوا به بصفته المسيح لما صلبوه وما قتلوه.  لكن الله أقامه من بين الأموات مبرئاً إياه.  وأجلسه عن يمينه في السماء.  وقبل ذبيحته من أجل البشر.  رضي الله به كاهناً إلى الأبد وشفيعاً وحيداً للمؤمنين.  اعترف به وحده بصفته الطريق الوحيد إلى الخلاص وإليه.  نقول إن الله رفع المسيح الذي تواضع.  والأمر أشبه بملك يعين ابنه الشاب قائداً لوحدة من وحدات الجيش.  فيبْلي ابن الملك بلاءً حسناً ويحقق انتصارات باهرة.  وهو لا يفعل هذا بصفته ابن الملك، لكن كونه ابن الملك ساعده في أداء دوره.  فيأتي الملك ويكرم ابنه بصفته العسكرية أيضاً، ويعطيه قيادة الجيش كله.  يقول الوحي: "لذلك رفعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب."

 

سوف تجثو كل ركبة ليسوع

ونختم بالقول إن الوحي يطبق على المسيح ما قاله الرب في العهد القديم: "إنه لي تجثو كل ركبة، يحلف كل لسان."إشعياء 45: 24.  فهو يؤكد أن الذي تجسد ومات على الصليب ودفن وقام ورفعه الله هو الرب.  والكشف عن لاهوت هذا المخلص العظيم هو أيضاً بمثابة ترفيع وتمجيد له.  وهذا هو عمل الروح القدس.

 

أسئلة الفصل العشرين

ما هي عقلية المسيح التي يحثّنا الله على التحلّي بها في فيلبي 2؟

ناقش العبارة التالية: لم يتأثر لاهوت المسيح بتجسُّده.

ما هما طبيعتا المسيح؟

كيف نعرف أن دور المسيح في عملية تجسُّده لم يكن سلبياً؟

ما هو الرد على الذين يقولون بأن المادّة المخلوقة شريرة؟

 


www.agape-jordan.com - 2005