الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

تجسد المسيح وولادته (4)

الفصل الحادي والعشرون

 

نستكمل في هذا الفصل حديثنا في مسألة تجسد المسيح وولادته.

 

عبر اللاهوت عن طبيعته بكل راحة في الابن المتجسد

قلنا في الفصل السابقة إن الله استخدم قوةً هائلةً في حداث عملية التجسد.  بل إن القوة المستخدمة في العملية التي اشترك فيها أقانيم الثالوث في اللاهوت الواحد غير مسبوقة.  وهي تفوق القوة المستخدمة في كل مراحل الخلق والآيات المعجزية المتنوعة على مر التاريخ.  ولعل أهم نتائج استخدام تلك القوة الاستثنائية هي ما عبرت عنه كلمة الله على النحو التالي: "فيه سر أن يحل كل الملء."كولوسي 1: 19.  ويعني هذا أمرين.  أولاً، كان تجسد المسيح أمراً موافقاً لإرادة الله، إذ سيمكنه ذلك من تحقيق مقاصد إلهية كثيرة منها الفداء.  ثانياً، لقد حل كامل لاهوت الله في المسيح في الجسد الذي اتخذه على نحو كان فيه جوهر اللاهوت مرتاحاً تماماً.  فاللاهوت غير المحدود بصفاته الجوهرية غير المحدودة سكن دون قيود في الجسد البشري المحدود ليسوع المسيح، والله قادرٌ على فعل ذلك.  وبعبارة أخرى كان الله في المسيح قادراً على التحرك بكامل قدراته والتعبير عن نفسه وهو في ذلك الجسد.  وإن كان من محدوديات، فإنها محدودياتٌ طوعيةٌ يفرضها الإله المتجسد على ذاته بكامل حريته. ولا ينتقص هذا من لاهوته في شيء.

 

عاش كإنسان عادي

وهو يفعل ذلك حتى يحيا المسيح حياته البشرية كأي إنسان عادي دون أن يستفيد من امتيازات اللاهوت في تسهيل تصريف أموره اليومية كإنسان على الأرض.  فما دام قد ارتضى أن يكون إنساناً، فلا بد له من أن يبذل نفس الجهد ونفس الوقت الذي يبذله البشر في إنجاز شؤونهم.  فعلى سبيل المثال، اشتغل المسيح نجاراً ليكسب عيشه بالطريقة الصعبة.  ولم يلج إلى خلق طعام كلما احتاج وعائلته وتلاميذه إلى ذلك، مع أن ذلك كان في متناوله.  وفضلاً عن ذلك، فإنه لم يستخدم قدرته هذه على خلق الطعام أو توليده في ربح أنصار له.  فهو لا يريد أشخاصاً تجذبهم بطونهم إليه.

 

في  المعجزات دروس

وكان يعرف أين يمكن أن يجد مالاً بطريقة سهلة.  ولقد مكن بطرس من الحصول على المبلغ اللازم من سمكة معينة اصطادها في مكان معين وفي وقت معين.  وقد فعل ذلك عندما لم يكن معه ولا مع بطرس مالاً لدفع ضريبة الهيكل.متى 17: 24-27.  فكان في ذلك درسٌ عميقٌ لبطرس.

 

المعجزات ليست للاستعراض

لكنه لم يكن يلج إلى قدراته الإلهية بشكل آلي، أو دائم، أو على سبيل الاستعراض والإدهاش كما يحدث في السيرك.  فقوة الله ليست رخيصة.  وهو لا يستخدمها إل عند الضرورة وفي الوقت والمكان المناسبين، من أجل مجد الله.  وقد أشبع في تحننه خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال بمعجزة عندما لم يكن هنالك من حل آخر غير هذا.  إذ لم يكن لديهم ما يكفي من المال لشراء الطعام الكافي لكل هؤلاء.  وفوق ذلك رأى يسوع أن الوقت قد حان لتعليم تلاميذه درساً حول هويته وضرورة الاعتماد عليه دون خوف من احتياج في مستقبل مجهول.يوحنا 6: 1-14.

 

حياته الطبيعية تؤكد ناسوته الكامل

وعلى الرغم من الصعوبات المتضمنة في السفر مشياً أو على ظهر بغل، إل أن هذه هي الطريقة التي اتبعها دائماً في أسفاره.  ولم يلج إلى تسريع هذه العملية بطريقة خارقة كأن يخطف من الروح لينتقل من مكان إلى آخر، كما حدث مع فيلبس.أعمال 8: 38-40.  فلو كان يفعل هذا، لبرزت شكوكٌ قويةٌ حول حقيقة ناسوته.

 

ولادة طبيعية وتنشئة طبيعية

لقد أصر ابن الله المتجسد على أن يعيش إنسانيته، أو حياته كإنسان بطريقة كاملة من أولها إلى آخرها.  فكانت مدة حبل أمه به تسعة أشهر، كمدة حبل أية امرأة أخرى.  يقول الوحي: "وبينما هما هناك (أي مريم وخطيبها يوسف) تمت أيامها لتلد." لوقا 2: 6.  وتمت ولادتها أيضاً بشكل طبيعي، كولادة أية أم أخرى.  يقول الوحي: "فولدت ابنها البكر وقمطته وضجعته في المذود."لوقا 2: 7.  ويدل هذا النص بالمناسبة على أن الطفل تلقى نفس العناية والتنشئة التي يحتاجها أي طفل في فلسطين.  وفي إشارة واضحة أيضاً إلى الولادة الطبيعية ومرور مريم بكل ما تمر به امرأةٌ والدةٌ, يقول الوحي: "ولما تمت أيام تطهيرها.  حسب شريعة موسى، صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، كما هو مكتوبٌ في ناموس الرب: أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوساً للرب."لوقا 2: 22-23.  وهذا أمرٌ لا يقلل أبداً من قداسة الأم وطهارتها وقدرها.

 

نمو طبيعي في الجسم والمعرفة

ونما الطفل نمواً تدريجياً عادياً في الجسم وفي العلاقة الروحية مع الله.  يقول الوحي: "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئاً حكمةً، وكانت نعمة الله عليه."لوقا 2: 40.  لم يكن المسيح في عجلة من أمره.  فأخذ كفايته من الوقت ليتيح لطبيعته البشرية النضج في الجسم والمشاعر والأفكار وفهم طبيعة العلاقات بين الأشياء.  ولا شك أنه أعتمد على مريم ويوسف في هذا الأمر كما في تعلمه عن أمور الشريعة.  ومن المؤكد أنهما زرعا في هذا الجانب البشري منه بذار التقوى وكانا يجيبان عن أسئلته كطفل ويصليان معه.  ومرةً أخرى نقول إن يسوع لم يستخدم طبيعته الإلهية ليلغي حاجته إلى النمو والمعرفة والحكمة في أمور الشريعة.  فلو فعل هذا لربما بدا جسده البشري مجرد واجهة غير حقيقة لا تضم وراءها إل لاهوتاً محضاً.  ولن يكون مقنعاً كإنسان.

 

يسأل ويتعلم ويلعب مع أقرانه

وتبين هذا الأمر إحدى الحوادث في طفولته.  تقول كلمة الله: "وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح.  ولما كانت له اثنتا عشرة سنةً صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد.  وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما.  وإذ ظناه بين الرفقة، ذهبا مسيرة يوم، وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف.  ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه.  وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين، يسمعهم ويسلهم، وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته."لوقا 2: 41-47.  من الواضح أن يسوع كطفل كان يسأل ليتعلم ويفهم، مع أنه كان يسل فيجيب.  وهنا إشارةٌ مباشرةٌ أيضاً إلى حياة صباً طبيعية حيث كان يصرف وقتاً مع أقرانه من الفتيان.  ويمضي الوحي قائلاً: "فلما أبصراه اندهشا، وقالت له أمه: "يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا نطلبك معذبين!‘ فقال لهما: ’لماذا كنتما تطلبانني؟  ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي؟‘  فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما.  ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة.  وكان خاضعاً لهما.  وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها.  وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة، عند الله وعند الناس".لوقا 2: 48-52.

 

خضوعه لسلطة أبويه الشرعيين

يبين لنا جواب الصبي يسوع أنه كان مدركاً أن الله هو أبوه لا يوسف.  وعرف أنه يجب أن ينشغل في شؤون أبيه السماوي.  ويبين لنا النص أيضاً أن يسوع لم يستخدم معرفته هذه كحجة لتولي أموره بنفسه.  إذ "كان خاضعاً لهما".  وهكذا وضع يسوع نفسه في الإطار الصحيح في العلاقة مع أبويه الأرضيين لكي يحيا طفولةً عادية.  وعندما يقول النص إن يسوع "كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة، عند الله وعند الناس"، فإنه يشير إلى ما يتعلمه من الآخرين كصبي واستجابته له.  فكان يستفيد مما يتعلمه في صلواته وعباداته ونموه الروحي.  ولم يستخدم معرفته الإلهية الكاملة من أجل الاستغناء عن طرق التعلم التي كان عليه أن يتعلمها بالطريقة الصعبة.

 

إنكار التجسد هو من عمل إبليس

يصر الكتاب المقدس على أن يسوع المسيح جاء في جسد عادي.  فهذا أمرٌ ضروريٌ للفهم السليم والعقيدة السليمة.  يقول يوحنا تلميذ المسيح ورسوله بوحي الله: "كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله.  وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد، فليس من الله."1 يوحنا 2:2.  فليست المسألة إذاً من الأمور التي يجوز الاختلاف حولها.  ويقول أيضاً: "لأنه دخل إلى العالم مضلون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد.  هذا هو المضل، والضد للمسيح."2 يوحنا 7.  وهذا يرفع المسألة إلى مستوى الفرق بين الحق والضلالة.  وهنالك أيضاً الآية التي ينقلها الوحي على لسان المسيح مخاطباً الآب: "هيأت لي جسداً."عبرانيين 10: 5.

 

جسد يسوع حقيقي بكل معنى الكلمة

ويهتف بولس رسول المسيح قائلاً: "عظيمٌ هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد."1 تيموثاوس 3: 16.  هذه هي الحقيقة العظيمة.  لقد جاء الله إلينا في جسد بشري حقيقي.  لكن هذا الجسد لم يخف لاهوته.  فالنص يقول إن الله "ظهر في الجسد".  ويقول يوحنا: "ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمةً وحقاً."يوحنا 1: 14  فعلى الرغم من أن طبيعة يسوع البشرية واضحةٌ، إل أن اللاهوت ظاهرٌ أيضاً في شخص المسيح وحضوره وكلامه وتصرفاته وتأثيره.  ولهذا لا يوجد مبررٌ لإنكار أي من الطبيعتين.  ويقول النص إن مجيء يسوع إلى عالمنا على هذا النحو يجب أن يكون حافزاً لنا على تقوى الله.

 

ماذا لو لم يكن جسده حقيقياً

إن الإيمان بأن يسوع جاء في جسد بشري حقيقي ضروريٌ من وجوه عديدة.  ولقد ناقشنا أوجهاً كثيرة منها في الفصل الماضي.  لكننا نقول باختصار:  أولا، لولم يكن جسد يسوع حقيقاً، لكان من الصعب أن نصدق أنه شخصٌ حقيقي.  ثانياً، ولما كان هنالك داع لروايات الحبل والميلاد والتنشئة والنمو.  ثالثاً، ولما كانت تجربة إبليس له ذات معنى.  رابعاً، ولما تألم حقاً.  لكن بطرس تلميذ المسيح ورسوله يؤكد: "قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد."1 بطرس 4: 1.  وفضلاً عن ذلك, فإن الألم جزءٌ من واقع الحياة البشرية.  فلا يوجد من لم يختبر الألم بطريقة أو بأخرى, وإللم تكتمل إنسانيته.  ولهذا توضح كلمة الله أنه "لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل (أي الله الآب), وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد (أي المؤمنين) أن يكمل رئيس خلاصهم (أي يسوع) بالآلام."عبرانيين 2: 10  فكانت آلامه الفدائية على نحو خاص بمثابة تتويج لحياته البشرية ومصادقة عليها.  فلا يوجد مجالٌ لاتهامها بالنقص.  رابعاً، ولو لم يكن جسد يسوع حقيقيا, لما تم شيءٌ اسمه الفداء. يؤكد بطرس أيضاً: "فإن المسيح أيضاً تألم مرةً واحدةً من أجل الخطايا، البار من أجل الثمة، لكي يقربنا إلى الله، مماتاً في الجسد، ولكن محيى في الروح."1 بطرس 3: 8.  إذ كان من المستحيل عندئذ أن يموت المسيح.  خامساً، ولما كانت هنالك قيامة.  فإن الجسد غير الحقيقي لا يموت، وبالتالي لا يقوم.  ولكانت جراح يسوع وأثر المسامير في يديه ورجليه والحربة في جنبه وهماً وخداعاً.  وما الذي أدرانا بعد ذلك أن أي شيء فعله يسوع كان حقيقياً؟  فالجسد غير الحقيقي لا يأكل ولا يتعب ولا ينام ولا يتجنب الخطر, وهي أمورٌ من الثابت أن يسوع كان يفعلها .  ويصعب التعامل مع صاحبه كشخص عادي.  ويمكن أن تطول قائمة الأسئلة والاعتراضات.  لكن الفكرة من ورائها واضحة.

 

جسده حقيقي بعد قيامته 

ويلزم التوكيد على أن يسوع ظل يحمل جسداً بشرياً حتى بعد قيامته.  فقد مات في الجسد، وقام في الجسد.  وقد أثبت هذا لتلاميذه عندما أكل معهم سمكاً وخبزاً على شاطئ بحر الجليل.يوحنا 21: 12.  وشجع يسوع تلميذه توما المتشكك في قيامته على أن يضع إصبعه في أثر الجراح في يديه وجنبه.  وما كان هذا ممكناً لو لم يكن هنالك شيءٌ حقيقيٌ يلمسه توما ويتأكد منه.

لكن شكراً لله الذي أعطانا كلمته الصادقة القادرة على أن تحكمنا إلى الحق والخلاص .  وشكراً لذاك الذي حقق لنا فداءً حقيقياً من خلال جسد حقيقي.

 

أسئلة الفصل الحادي والعشرين

ما معنى قول الوحي عن يسوع، "فيه سر أن يحل ملء اللاهوت"؟

لماذا لم يستخدم يسوع قدراته اللاهوتية في تسهيل تصريف حياته اليومية؟

ما موقف الكتاب المقدس ممن يرفض الاعتراف بأن الله تجسَّد في المسيح، أي أن الله "جاء في جسد"؟

كيف نعرف أن جسد يسوع كان حقيقياً وطبيعياً في حياته على الأرض وبعد قيامته؟

 


 

www.agape-jordan.com - 2005