الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

 

المسيح القدوس (2)

الفصل الثالث والعشرون

نواصل تأملاتنا في هذا الفصل في قداسة المسيح.  وسنناقش في هذا الفصل سؤالاً نظرياً عاما: هل يمكن أن يخطئ الله؟

 

من نلوم عند وقوع المصائب؟

هذا سؤال كبير، وإني لأطمع في صبر المستمع الكريم معي، راجياً أن لا يعتبر سؤالي من قبيل الكفر.  لكنه سؤال ضروري من أجل إزالة أي لبس.  والسؤال النظري هو: هل يمكن أن يخطئ الله؟  لا يخطر هذا السؤال ببال أحد عندما تسير أموره بشكل طبيعي أو كما يهوى ويحب.  لكن قد يختلف الأمر عندما تقع مصيبة لا يجد لها معنى ، كأن يولد إنسان أعمى، دون أن يدري أحد وزر من يحمل.  ولنعترف أن الله لا يقدم دائماً جواباً مباشراً مفصلاً واضحاً مرضياً لفضولنا البشري عن كل سؤال نطرحه.  فتصبح المسألة كأنها جزء من غموض الحياة.  لقد واجه يسوع المسيح هذا الموقف.  يقول الوحي: "وفيما هو مجتاز رأى إنساناً أعمى منذ ولادته.  فسأله تلاميذه قائلين: ’يا معلم، من أخط: هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟‘"يوحنا 9: 1-2.

 

فكر كيف تستغل الموقف لمجد الله

ربما قر يسوع بين السطور، كما نحس، نوعاً من الاتهام لله: أليس حراماً أن يولد هذا أعمى؟  ألا يلام الله نفسه على هذا الوضع؟  لكن يسوع لم يرد لهم أن يمعنوا في هذا الخط من التفكير.  فكان جوابه ذا طابع عملي.  "أجاب يسوع: ’لا هذا أخط ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه.  ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار.  يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل.  ما دمت في العالم، فأنا نور العالم."يوحنا 9: 3-6.  قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى.  وقال له: ’اذهب اغتسل في بركة سلوام‘، الذي تفسيره مرسل، فمضى واغتسل وبصر."

 

نحتاج إلى أن ننظر إلى الأمور بعيون جديدة

كان من الواضح أن هذا الرجل لم يخطئ قبل أن يولد.  ولهذا فإن من المستحيل أن يكون ما أصابه عقاباً شخصياً له من الله.  فهل يمكن أن يكون أبواه هما السبب في عماه بسبب خطاياهما؟  لكن عندئذ لماذا يحمل ذنب والديه؟  وهل في مبد تأثر الأبناء سلباً بخطايا آبائهم وأمهاتهم شيء من الظلم لهم؟  لكن أليس هذا وضعاً يعيشه كثيرون؟  فعندما يرتكب أحد الوالدين جريمةً ويذهب إلى السجن, ألا يعاني أفراد عائلته من بعده على الرغم من أنه لا يد لهم في جريمته؟  لم ينف يسوع في واقع الأمر أن أبوي الرجل ارتكبا خطايا، أو أن الرجل الأعمى لم يخطئ منذ مولده.  لكنه لم يرد لتلاميذه أن ينشغلوا في مسألة اللوم، بل أن يركزوا على ما يمكن أن يفعله الله إزاء هذا الوضع.  فالخبر السار هنا هو أن الله لا يقف غير مبال.  فهو النور في وجه العمى الفعلي للرجل.  وهو النور في وجه الجهل بحقائق الموقف.  ليس الوقت الآن وقت الحكم على مثل هذه الأمور، لكنه وقت لحمل نور المسيح وشفائه وتحريره لمن يحتاجونه.  ويبدو أنه يقول لهم إن عليهم أن يطلبوا تدخل الله في مثل هذه الأوضاع.  فعندئذ يغيب كل لوم ويصبح لدينا ما نمجد الله عليه.  وبعد ذلك استخدم المسيح طيناً ليخلق عينين جديدتين للرجل.  وكأنه يقول إن الله وحده هو القادر على تغيير الوضع.  ويأتي الحل عن طريق خلق عينين جديدتين ننظر بهما إلى الأمور نظرةً مختلفةً كلياً.  لكن السؤال يظل دون جواب.  فلعله أكبر منا الآن.

 

أسئلة حائرة

وماذا عن الذين يقتلون وهم يصلون ويتعبدون؟  ألا يفترض أنهم في حماية الله؟  فكيف يسمح الله لأشخاص وثنيين بالقضاء عليهم؟  أليس تقصيراً منه أل يهب إلى نجدتهم؟  وماذا عن الزلازل والبراكين التي تختطف الضحايا دون تمييز؟  أو عن المباني والأبراج التي تقع على رؤوس الذين فيها أو المارين في الشارع؟  قد ننسبها إلى القضاء والقدر.  فماذا يعني ذلك؟  ألا يعني هذا أن الله قضى بها؟  ألا يجرب بعض أهالي الضحايا بأن يشيروا بإصبع الاتهام إلى الله؟  يطرح الوحي سؤالاً بلاغياً: "هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟"عاموس 3: 6.  يبدو هنا أن الله يبادر إلى الاعتراف بأنه وراء الكوارث التي تصيب الناس، بغض النظر عن الوسائل المتنوعة التي يبدو أنه هو الذي يسخرها ويحرك خيوطها.

 

تب!

يقدم المسيح جواباً عن حالتين محددتين ربما تكونان محكومتين بظروفهما الخاصة.  وربما لا تنسحبان على كل وضع.  يقول الوحي: "وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم (أي أنه قتلهم وهم يقدمون ذبائح لله).  فأجاب يسوع وقال لهم: ’أتظنون أن هؤلاء الجليليين كانوا خطاةً أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟  كلا!  أقول لكم: بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون." لوقا 13: 1-3.

 

يجيب ويحير!

تتضمن إجابة المسيح عناصر تسبب الصدمة.  يبدو أن المسيح يقول إن أولئك الذين كانوا يقدمون ذبائح لله كانوا أشخاصاً أشراراً.  ولهذا سمح الله بأن يقتلهم بيلاطس.  إذ لم يتوبوا رغم عبادتهم الشكلية.  غير أنهم لم يكونوا، باعتراف المسيح نفسه أكثر شراً من بقية الجليليين الذي لم يقتلوا.  لكنهم ماتوا لأنهم لم يتوبوا.  وربما كان هؤلاء من المتمردين على بيلاطس نفسه أيضاً، مما يفسر ما فعله بهم.  أوضح يسوع أن أولئك كانوا عابدين منافقين يستحقون الموت بسبب عدم توبتهم.  وفي الوقت الذي توقع فيه المستمعون إلى يسوع أن يدين بيلاطس الشرير على فعلته، لكنه استغل الحادثة لتنبيههم إلى حاجتهم هم أيضاً إلى التوبة.  فإن لم يفعلوا، فإنه يمكنهم أن يتوقعوا أن يلاقوا مصيراً مشابهاً أو دينونةً أخرى.  لكن السؤال هو: كيف يستخدم الله أشخاصاً أشراراً كبيلاطس لتحقيق مقاصده النبيلة؟  والسؤال الثاني الأكثر إلحاحاً هو: ما دام هؤلاء الذين قتلهم بيلاطس ليسوا أكثر شراً من بقية الجليليين، فلماذا لم تأت دينونته على من يفوقونهم شراً أولاً؟  وهكذا حل المسيح معضلةً وطرح أخرى.  ويبقى لدينا سؤالان جديدان دون إجابة.  لكن لماذا يمتنع الله عن تقديمها؟  ألعله يرى بأننا غير مستعدين لها بعد؟

وبنفس المنطق أشار يسوع إلى "أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم. "قال: "أتظنون أن هؤلاء كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس الساكنين في أورشليم؟ كل!  أقول لكم: بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون." لوقا 13: 4-5.  

 

هل نقدر أن نمجد الله ونحن مظلومون؟

وماذا عن الأبرياء الذي يتهمون ظلماً، والذين يسمح الله بأن تسرق منهم سمعتهم وتسوء أحوالهم.  يبدو أن أيوب علق في ميدان معركة بين الله وإبليس.  وقد استخدم الله أيوب في هذه المعركة كبطل رغماً عنه ودون معرفة منه.  بل إنه يظهر من القصة أن الرب هو الذي حرك هذه المواجهة التي دفع فيها أيوب ثمناً غالياً.  يقول الوحي: "فقال الرب للشيطان: ’هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟  لأنه ليس مثله في الأرض.  رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر.‘ فأجاب الشيطان: ’هل مجاناً يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟  باركت أعمال يديه،  فانتشرت مواشيه في الأرض.  ولكن ابسط يدك الآن ومس كل ما له، فإنه في وجهك يجدف عليك.‘ فقال الرب للشيطان: ’هوذا كل ما له في يدك، وإنما إليه لا تمد يدك.‘  ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب." أيوب 1: 8-12.  قد تسأل: كيف يفعل الله هذا؟

 

خسر أيوب كل شيء

جرد إبليس أيوب من كل شيء ثمين لديه.  أخذ منه مواشيه وأملاكه وحياة أبنائه وحتى سمعته, ولم يتبق له إل زوجة شاكية.  إذ بدأ أصدقاء أيوب يتهمونه بأنه لا يوجد إل تفسير واحد منطقي لما حدث له، ألا وهو أن الله يعاقبه على شروره.  سأله أليفاز التيماني: "اذكرً: من هلك وهو بريء؟ وأين بيد المستقيمون؟ كما قد رأيت: أن الحارثين إثماً والزارعين شقاوةً يحصدونها."أيوب 4: 7-8.  أصر أيوب البار على براءته، وكان محقاً.  غير أنه في لحظات ضعفه كان مستعداً لأن يتهم الله بأنه كان قاسياً وغير مفهوم في التعامل معه.  بل إنه أحس بأن الله عامله كعدو.  يقول: "لماذا تحجب وجهك وتحسبني عدواً لك؟" أيوب 13: 24.

لم يقدم الله  أي جواب عندما تكلم أخيراً!

وفي نهاية القصة يظهر الله ويبرئ أيوب أمام أصحابه.  لكنه لا يفسر لأيوب ولا لأصحابه لماذا فعل الله ما فعله بأيوب.  واكتفى بالحديث عن أزليته وقدرته وحكمته ومقاصده العميقة.  فكأنه كان ينتظر من أيوب أن يقبل ما حدث له دون احتجاج ودون أن يضع الله موضع المساءلة.  وما على أيوب إل أن يثق به.  ومرةً أخرى لا نجد جواباً إل أن الله انتصر على إبليس في معركة أيوب.  ويبدو أن الله يبحث عن أسلحة بشرية بارة واثقة به في حربه مع إبليس.

 

مقاييسنا المزدوجة! 

وماذا عن الطوفان في زمن نوح؟  ولماذا يقبل البشر دون جدل أن يغرق الرب الأرض كلها بمن عليها دينونةً لها،تكوين 7: 23.  بينما يثير بعضهم اعتراضات إذا اختار الله جيشاً بشرياً للقضاء على جماعة تمارس السحر والذبائح البشرية وعبادة الشيطان؟تثنية 20: 16-18.    وهذا أمر حدث لدى دخول بني إسرائيل قديماً أرض فلسطين.  فهل مقاييسنا نحن مزدوجة، أم أننا نحاول أن نحشر الله حشراً في قوالبنا؟  هل يمارس الله هنا تمييزاً عنصرياً، أم أنه يحافظ على نقاء أرضه وشعبه؟  وهل هذا هو نفسه إله المحبة؟

 

لماذا يتأخر الله عن الاستجابة للصلاة؟

وعندما يتأخر الرب في الاستجابة لصلاة المؤمنين، ألا يعد هذا خذلاناً منه لهم؟  ولماذا يغيب عنهم في أكثر أوقاتهم احتياجاً إليه؟  أيمكن أن يكون هذا تعبيراً عن عدم وجود اهتمام كاف بهم.  كان يسوع صديقاً لعائلة لعازر ومرثا ومريم.  وكان يحب لعازر كثير.  مرض لعازر، "فأرسلت الأختان إليه قائلين: ’يا سيد، هوذا الذي تحبه مريض.‘"يوحنا 11: 3. لكن يسوع لم يلب توقعهما.  وتأخر إلى أن مات لعازر.  وعندما بدا أنه جاء إليهما بعد فوات الأوان، قالتا له في لهجة تنم على اللوم: ’يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي."يوحنا 11: 21، 32.  "فكان جواب يسوع: ’إن آمنت ترين مجد الله."يوحنا 11: 40.  وبعد ذلك أقام السيد المسيح لعازر من الموت.  فرأت الأختان مجد يسوع فعلاً.  وهكذا قادهما إلى إيمان أعمق به.  لكن الأمور ليست دائماً على هذا القدر من الوضوح.

 

قد تحمل نوايانا الحسنة إهانة لله!

وماذا عن الأشخاص الذين ينوون في قلبهم أن يقدموا خدمةً لله، فيقابلهم الله بالبطش والموت؟  كان بنو إسرائيل ينقلون تابوت عهد الله الذي يمثل حضوره بينهم إلى أورشليم.  ووضعوه على عربة تجرها ثيران بقيادة رجل اسمه عزا.  تقول كلمة الله: "ولما انتهوا إلى بيدر كيدون، مد عزا يده ليمسك التابوت، لأن الثيران انشمصت.  فحمي غضب الرب على عزا وضربه من أجل أنه مد يده إلى التابوت، فمات هناك أمام الله." 1 أخبار 13: 9-10.  هل هذا موقف مفهوم؟  لم يستطع حتى النبي داود أن يقبل ما فعله الرب.  يقول الوحي: "فاغتاظ داود لأن الرب اقتحم عزا اقتحاماً."1 أخبار 13: 11.  ظن عزا أنه يحمي الله من السقوط وأنه يدافع عنه!  لكن الله ليس ضعيفاً فيحتاج إلى مدافع وسند من بشر مثلنا.  فكانت هذه إهانةً عظيمةً لم يحتملها الله.  تصرف عزا بحسن نية، لكن هذا لم يكن مبرراً كافياً.  لكن ألا يوجد اليوم أشخاص حمقى كثيرون مثل عزا يتوهمون أن الله يحتاج إلى من يسنده وينصره, فتدفعهم عصبيتهم إلى ارتكاب جرائم تغضب الله باسم الله؟  وهل تصبح هذه الآثام أعمالاً صالحةً, بل بطوليةً, عندما تقترف باسم الدين؟  حاشا!  فليست الأمور غامضةً إلى هذا الحد.

 

الله هو الله, وهو غير ملزم بالإجابة الآن.

يبدو أن الله لا يقدم لنا الجواب الشافي دائماً عن كل سؤال.  ومع أن هذا ربما يجلل موقفه بشيء من الغموض, إل أنه لا يشعر دائماً بأنه ملزم بتقديم إيضاحات لأحد؛ فهو الله.  وهو لا يقبل أن نضعه موضع المساءلة والحساب؛ فهو ليس مسؤولاً أمامنا.  فهو فوق الشريعة كما يكون الملك فوق الدستور.  ونحن جميعاً تحت الشريعة كما يكون رعايا الملك.  أما بالنسبة لمن يعترضون على طرق تعامل الله، فيقول الوحي لهم: "من أنت أيها الإنسان الذي يجاوب الله؟"رومية 9: 20.  وبالفعل، ماذا نعرف حتى نشير على الله ماذا يفعل ولا يفعل؟  ومن نحن لنتهمه؟  فإن فسر فإن علينا أن نقبل تفسيره ونفهمه.  وإن لم يفسر، فإن علينا أن نثق بأنه يعرف الصورة كاملة, وهو أمر غير متاح لنا في محدوديتنا البشرية.  وعلينا أن نتيقن أنه يبقى الإله القدوس الذي لا يخطئ أبداً.

 

أسئلة الفصل الثالث والعشرين

لماذا تعتقد أن الله لا يقدّم لنا أحياناً كثيرة تفسيراً لمسائل محيّرة؟

كيف أراد المسيح من تلاميذه أن ينظروا إلى مصائب الناس، قياساً على جوابه عن سؤالهم حول سبب عمى الرجل المولود أعمى؟

لماذا غضب الله على عُزّا عندما حاول أن يمنع تابوت العهد (الذي يمثّل حضور الله) من السقوط؟

ماذا كان دور أيوب في المعركة بين الله وإبليس؟

لماذا لا يمكننا نحن البشر أن نحكم على أعمال الله؟

 


www.agape-jordan.com - 2005