الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

 

المسيح القدوس (3)

الفصل الرابع والعشرون

 سنتناول في هذا الفصل مسألة عصمة المسيح، الإله المتجسد، عن ارتكاب الخطية.

 

نحن لا نحكم على الله

قلنا في الفصل السابق ما مفاده إننا نخطئ حين نظن أن الله يمكن أن يخطئ.  وليس من اللائق أو المنطقي أن نقوم نحن البشر بمحاكمة الله.فنحن لسنا فوق الله.  وهو ليس خاضعاً لشريعة نفرضها عليه ونقيس قداسته بموجبها.  ولا يمكن أن ندعي أننا نملك أصلاً في محدوديتنا الأدوات اللازمة لقياس الله.  لكن تناولنا لهذه المسألة لا بد أن يختلف لدى تعاملنا مع المسيح الذي ولد تحت الشريعة. تقول كلمة الله، "ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني."غلاطية 4:4 – 5.

 

الشريعة مرجعية للحكم على المسيح

يوضح هذا النص عدة أمور.  أولاً، جاء موعد مولد السيد المسيح في وقته بالضبط.  فلم يتقدم ولم يتأخر يوماً واحداً عن البرنامج الإلهي.  فما كان ممكناً أن يولد المسيح في عصر آخر.  ثانياً، كان المسيح ابن الله قبل أن يولد.  فهو هنا ابن الله الأزلي.  ثالثاً، ولد السيد من امرأة، لا من امرأة ورجل.  ولو جاء من رجل لكان بشراً فقط، ولورث عندئذ الميل المشترك عند كل بشر إلى ارتكاب الخطية بأشكالها.  رابعاً، ولد يسوع ليعيش حياته البشرية تحت شريعة الله.  فكان مطالباً بأن يطيع هذه الشريعة.  ويعني هذا أن هنالك مرجعيةً أو مقياساً يمكن أن يطبقه البشر عليه.  فكان المسيح مثلاً خاضعاً طوعاً لأبويه البشريين وهو صبي, عملاً بالشريعة.  يقول الوحي، "وكان خاضعاً لهما."لوقا 2: 51.  وقبل السيد نفسه أن يحاسبه أحد على أي كسر مزعوم لشريعة الله.  تحدى اليهود قائلاً، "من منكم يبكتني على خطية؟"يوحنا 8: 46. فلم يجرؤ أحد أن يرفع إصبع اتهام له.  لم يرتكب خطأً، فما بالك بخطية!  لم يعتذر يوماً لأحد، لأنه لم يسئ إلى أحد. ولم يسمعه أحد يطلب غفراناً؛ فالبراءة لا تعتذر، والبر لا يأسف.

 

أطاع الشريعة طوعاً

وضع المسيح نفسه طوعاً تحت الشريعة مع أنه لم يكن ملزماً بذلك؛ فهو ابن الله.  ولهذا يقول الوحي عنه إنه "مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به."عبرانيين 5: 8.  ويعني هذا أن طاعة الشريعة صارت جزءاً من خبرته البشرية على الرغم من أنه لم يكن ملزماً بذلك.  فهو لم يطع لأنه الابن، بل على الرغم من كونه الابن المساوي للآب. وقد أطاع شريعة الله مع ما يحمل هذا من نتائج مؤلمة. خامساً، يقول نصنا إن المسيح ولد تحت الشريعة لكي يفتدي البشر الذين تحت الشريعة.  وبطبيعة الحال يعتمد افتداء المسيح لنا وقبول الله لهذا الافتداء على حقيقة خلو السيد من أية خطية. فلقد عاش المسيح حياةً بارةً قبل أن يموت عنا ميتة البار.  وهكذا عاش المسيح من أجلنا قبل أن يموت  من أجلنا.  عاش من أجل الخطاة العاجزين عن إطاعة الشريعة.  فأطاعها عنهم، أي من أجلهم.  وهكذا يحسب بره على أنه يخص كل من يتوحد بالإيمان به.  يقول الوحي عن الله، "لأنه جعل الذي لم يعرف خطيةً (أي المسيح) خطيةً (أو ذبيحة خطية) لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه."2 كورنثوس 5: 21.

 

حمل الله بلا خطية

كان لا بد أن يكون يسوع بلا خطية بصفته الحمل المختار والمقدم من الله نفسه.  قال يوحنا المعمدان مشيراً إليه: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم." يوحنا 1: 29.  فإن كان الناس يقدمون ذبائح بلا عيب لله، فكم بالأحرى الله نفسه الذي يدبر الذبيحة العظمى!  يخاطب بطرس، تلميذ المسيح ورسوله، المؤمنين بوحي الله، "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياءً تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح."1 بطرس 1: 18-19.  فلا بد لمن يطهر أن يكون طاهراً, وللمقدس أن يكون قدوساً, ولرافع الخطايا أن يكون بلا خطية.  يقول تلميذه يوحنا بالروح القدس للمؤمنين عن المسيح, "وتعلمون أن ذاك ظهر لكي يرفع خطايانا, وليس فيه خطية."1 يوحنا 3: 5  ولهذا كان لقداسته وظيفة عملية هلته دون غيره لعمل الفداء على الصليب.     

 

السؤال الصعب

طرح كثيرون السؤال: "هل كان ممكناً أن يخطئ يسوع؟"  وهذا سؤال سهل وصعب في نفس الوقت.  وهو يحتمل من ناحية نظرية على الأقل جوابين متناقضين – "نعم" و "لا".  وأنا أحب أن أسمي هذه المسألة "الإمكانية المستحيلة" أو "الاستحالة الممكنة"!  فالطبيعة الإلهية في المسيح وعون الروح القدس يضمنان أل ترضخ الطبيعة البشرية لإغراءات إبليس وضغوطاته وإيحاءاته.  لكن هذا لا يجعل مقاومة تجارب إبليس أمراً سهلاً في ضوء طبيعة المسيح البشرية الكاملة.  يصف الوحي يسوع في لحظات اشتداد التجربة فيقول: "إذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لحاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض." لوقا 22: 44.

 

وجد إبليس ما يستهدفه في طبيعة يسوع البشرية

ومن ناحية أخرى، كان المسيح في طبيعته البشرية الكاملة وحياته العادية "مجرباً في كل شيء مثلنا"عبرانيين 4: 15. كما تقول كلمة الله.  ويعني هذا أنه كان عرضةً للهجوم من إبليس بقصد محاولة إغرائه بارتكاب الخطية في كل ناحية من نواحي الطبيعة البشرية.  إذ وجد إبليس ما يستهدفه في يسوع في الفكر والشعور والجسد.  لكن نجاح إبليس أو فشله في هذا الأمر مسألة أخرى.

 

هل كان في طبيعته الخالية من الميل إلى الخطية ضمان كاف؟  

يقول بعضهم إن جسد يسوع الخالي من أي ميل إلى الخطية كان ضماناً بأن لا يرضخ لإبليس وتجاربه.  ولعل المستمع الكريم يتذكر معي أن يسوع هو من نسل المرأة، لا من نسل آدم.  فلم يرث طبيعته الميالة إلى الخطية.  لكن هذا ليس أمراً كافياً، ولا يصلح ضماناً مطلقاً.  فلقد كان لآدم وحواء طبيعة بشرية بريئة، ولم يكن فيها أي ميل إلى الخطية.  غير أن إبليس نجح في إغوائهما.  فلأنهما كانا يتمتعان بإرادة فاعلة كشخصين مستقلين، اختارا طريق العصيان والخطية.  فلم يكونا عاجزين عن اتخاذ قرار بعصيان الله.  وكان المسيح يتمتع بإرادة مماثلة.  فلم يكن عاجزاً عن أن يخطئ لعدم وجود هذا الخيار أمامه.  فلم يكن مثلاً كشجرة لا تستجيب لاستفزاز إذا ركلها أحد.  ولم يكن مثلاً كمرآة بلا حياة لا يؤثر فيها جمال الناظر إليها.  بل كان إنساناً حقيقاً قادراً على الفعل والاستجابة.  كان حر الإرادة وموجها ذاته نحو قصد معين.  ولهذا لم تكن مواقفه ردود فعل، بل استجابات.  لم يترك المواقف تتحكم فيه، بل ظل سيد نفسه.  عرف ما يريد وما لا يريد.  فعرف أين يوجه عينيه.

 

وجه كل إرادته وفكره وقلبه ونفيه للبر

لم يكن تمسك المسيح بالفضيلة والخير والصلاح تمسك العاجز عن فعل الشر.  بل كان تشبثاً واعياً مقصوداً متعمداً بها.  كان يعرف جوهر الفضيلة والخير والصلاح ويقدره.  وكان يعرف جوهر الشر وطبيعته وأبعاده ويرفضه.  ونحن نلمس هذا في تلك الكلمات التي تشبه كلام تغزل الحبيب بالحبيب التي وجهها الله الآب لابنه.  يقول الوحي، "وأما عن الابن (فيقول الله): "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور.  قضيب استقامة قضيب ملكك.  أحببت البر وأبغضت الإثم.  من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك."عبرانيين 1: 8-9؛ مزمور 45: 6-7.

 

جوهر القداسة يعبر عن نفسه في البر

لنلاحظ في هذا النص عدة أمور.  أولاً، يخاطب الله الآب المسيح بصفته "الابن" مستخدماً أل التعريف.  فلا يوجد إل شخص واحد يمكن أن يطلق عليه هذا اللقب في علاقته الأصيلة بالله. ثانياً، المتكلم هو الله والمخاطب هو الله أيضاً.  وبطبيعة الحال فإن الله لا يخاطب نفسه.  لكن الآب، وهو الله، يخاطب الابن، وهو الله في جوهره أيضاً.  ثالثاً، إن السمة المميزة لحكم المسيح وسيادته على الكون هي الاستقامة والنزاهة والبر.  فالابن القدوس يعبر عن جوهر قداسته في طريقة تعامله مع الخليقة التي يسودهما.  رابعاً، لا بد لنا من ملاحظة الإصرار والاقتناع وفرادة القصد في قوله "أحببت البر وأبغضت الإثم."  فالمسيح يستخدم إرادته الفاعلة العاملة في توجيه كامل كيانه ومشاعره نحو محبة البر وبغض الإثم.  فليس هنالك ما هو آلي أو عرضي أو تحصيل حاصل في موقف السيد من كل من البر والإثم.  خامساً، كان موقف المسيح هذا من البر والإثم مصدر فرح عظيم له، فرح سكبه الله في قلبه.  ففي القداسة التي تضمن علاقةً حميمةً متواصلةً مع الله نبع لا ينضب من الفرح.

 

للمسيح الإنسان إله 

سادساً، يدل استخدام الوحي للتعبير "الله إلهك" على أن الإشارة هي إلى المسيح في تجسده وحياته على الأرض. فعلى الرغم من أن الآب سبق أن خاطب الابن في هذا النص مطلقاً عليه لقب "الله"، إل أنه يقول في نفس الوقت إن الله هو إله الابن. وليس هذا بأمر مستغرب.  فالمسيح تجسد "آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس."فيلبي 2: 11.  وكان عليه بهذه الصفة أن يطيع شريعة الله كشخص مولود تحت الناموس.  ويجدر بنا أن ننتبه إلى أن الجسد الذي ولد فيه ابن الله، لم يكن جسداً أزلياً، بل محدثاً.  فهو جسد هيأه له الله كونه الله في إطار الزمن.  يقول الوحي على لسان المسيح مخاطباً الله الآب:" هيت لي جسداً."عبرانيين 10: 5. فالله الابن الأزلي غير المخلوق جاءً لكي يسكن في جسد غير أزلي.  فالله الآب هو إله هذه الطبيعة البشرية في يسوع.

 

المسيح يفرق بين "أبي" و"أبيكم" و"إلهي" و"إلهكم"

غير أن من الضروري أن نبين أن هنالك فرقاً بين كون الله إلهاً ليسوع، وبين كونه إلهاً للمؤمنين، فبعد أن قام السيد من بين الأموات قال لمريم المجدلية: "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم, وإلهي وإلهكم."يوحنا 20: 17.

سبق أن أشرنا إلى أن الوحي يشير إلى المسيح بصفته الابن.  وهو يشير إليه أيضاً بصفته "الابن الوحيد"، يوحنا 1: 18. كما في قوله، "الله لم يره أحد قط.  الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر."  وهكذا فإن بنوة المسيح للآب بنوة فريدة لا يشترك معه فيها أحد.  لكن المسيح يرفع مقام كل من يؤمن به ويجعله ابناً لله بالتبني.  يقول الوحي، "إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله.  وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه."يوحنا 1: 12.  ويأتي هذا بفضل سكنى روح المسيح نفسه، أي الروح القدس في المؤمنين.  إنه روح التبني الذي يضعهم في مركز جديد في علاقتهم بالله.  تقول كلمة الله: "ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً: ’يا أبا الآب."غلاطية 4: 6.  وهكذا فإن الله أب للمسيح وأب للمؤمنين به في نفس الوقت، لكن على مستويين مختلفين.  ولهذا يقول المسيح الذي دعا التلاميذ في تواضعه إخوته وأحباءه أو أصدقاءه عن الله إنه "أبي وأبيكم".  لكنه لا يجمع الصورتين معاً ليقول إلى "الله أبينا".  فهو حريص على عدم الخلط في هذه المسألة.  وبنفس الطريقة يقول إن الله هو "إلهي وإلهكم"، وعلى مستويين مختلفين أيضاً.  وهو يتجنب عامداً أن يقول "إلهنا".  فالمسيح رحب في نفس الإصحاح باعتراف تلميذه توما الذي قال له: "ربي وإلهي"!يوحنا 20: 28.  لكن ماذا سيحدث في المواجهة الفعلية بين المسيح في بشريته، وبين إبليس الذي سيجربه مستخدماً كل الوسائل المتاحة لديه؟  هذا هو موضوع الفصل القادم.

 

أسئلة الفصل الرابع والعشرين

لماذا يمكننا أن نحكم على قداسةِ المسيحِ وطبيعته الإنسانية؟

ماذا تفهم من الآية التي تقول عن المسيح إنه "مع كونه ابناً تعلَّم الطاعة مما تألم به"؟

علِّق على القول: "عاش المسيح من أجلِنا قبل أن يموت من أجلنا"؟

في ضوء قول الله الآب لله الابن "أحببتَ البرّ وأبغضتَ الإثم، هل كان المسيح عاجزاً عن ارتكاب الإثم؟

اذكر بعض الحوافز التي جعلت المسيح يتمسك بعدم ارتكاب أي إثم؟

 


www.agape-jordan.com - 2005