الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

 

المسيح القدوس (5)

الفصل السادس والعشرون

                                         

سوف نتناول باختصار في هذا الفصل بعض العوامل التي أسهمت في عصمة المسيح كإنسان من الخطية.

 

وضع نفسه تحت قيادة الروح

قلنا في الفصل السابق إن المسيح وضع نفسه تحت تصرف الروح القدس.  يقول الوحي: "وكان يقتاد بالروح." لوقا 4: 1  وهذا يعني أن كل خطوة من خطواته كإنسان كانت تحت سيطرة روح الله.  وكان أيضاً "ممتلئاً من الروح القدس." لوقا 4: 1.  وكان يستمد قوته من الروح القدس.  تقول كلمة الله: "ورجع يسوع بقوة الروح القدس إلى الجليل." لوقا 4: 14.  كانت عواطفه وانفعالاته محكومةً بالروح القدس.  يقول الوحي إن يسوع "انزعج بالروح واضطرب."يوحنا 11: 33.  وكان يأخذ من موارد الروح القدس بلا حد في تعليمه.  تقول كلمة الله عنه: "لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله.  لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح."يوحنا 3: 34.  والشخص الذي ينال الروح بهذا المقدار الفريد حسب السياق هو المسيح.  وكان المسيح يصنع معجزاته بقوة الروح.  قال السيد: "إن كنت بروح الله خرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله."متى 12: 28.  بل إن لقبه "المسيح" الذي صار بمثابة اسم له ارتبط بمسح الله له بالروح القدس من أجل القيام بخدمته بمختلف وجوهها.  قال يسوع: "روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، ورسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة."لوقا 4: 18.  لم يكن يخشى الاستسلام لروح الله، روح القداسة، لأن ذلك عنى له حريةً مطلقةً من أي تأثير شيطاني.  وهكذا سد يسوع كل منافذ نفسه وفكره ومشاعره أمام الشيطان.  ولهذا كان واثقاً من انتصاره على إبليس.  قال لتلاميذه عن إبليس الذي سيأتي ليجربه أيضاً: "لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء."يوحنا 14: 30.  وليتنا نسعى ما مكننا إلى مثل هذه العلاقة الحميمة مع الروح القدس.

 

عرف كلمة الله وعاشها فأحسن استخدامها سلاحاً

وكان السيد يعرف كلمة الله المكتوبة جيداً ويفهمها جيداً.  كان يعرف أنها مصدر حياة لكل إنسان، فجعلها منطلقاً لكل سلوك وتصرف وتوجه ونظرة.  فكانت سلاحاً مؤثراً في يده ضد إبليس.  قال له: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله."متى 4:4.

 

علاقة حميمة بالآب السماوي

وكانت للسيد علاقة حميمة بالله الآب من خلال الصلوات.  يحدثنا مرقس مثلاً عن حدث شكل عادةً يوميةً لدى يسوع.  يقول: "وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك."مرقس 1: 35.  فكان يحب أن يتأمل وجه الآب قبل أن يواجه العالم.  فكيف تغري الأرضيات من يطيل النظر في السماويات؟  فهناك يفقد العالم بريقه.  بل تظهر بشاعته وزيفه.  وهناك يعيش المؤمن لحظات دافئةً في حضن الآب تعينه على احتمال يبوسة هذا العالم وجدبه.  ولم يكن يسوع هو الذي بادر إلى التعبير عن رغبته في تعليم تلاميذه كيف يصلون؛ لكنهم عندما راقبوه وشاهدوا ما تفعله الصلاة في حياته, طلبوا إليه قائلين: "علمنا أن نصلي." لوقا 11: 1  عرف يسوع أن في الصلاة تكمن الأسلحة الضرورية لمواجهة التحديات وقوى الشر التي تنتظر المؤمن عند كل مفترق طرق.  وعرف يسوع أيضاً أن التجارب ليست نزهةً يمكن أن يذهب إليها المرء دون استعداد.  بل هي قاسية وشرسة.  ويمكن أن تصيب المؤمنين بالإحباط إذا فشلوا فيها.  ولهذا حثهم قائلاً:  "صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة."لوقا 22: 40.  ومع أن الصلاة ليست ضماناً بأن المؤمن لن يدخل في التجارب مطلقاً، إل أنها تزوده بسلاح قوي في مواجهتها.

 

حسم موقفه من كل شيء قبل قدوم التجربة

كان السيد يواجه التجارب بمواقف محسومة مسبقاً.  إذ كان مصمماً أن يقول "لا" للإغراء دون أن يحاوره ويطيل النظر والتأمل في ما يمكن أن يقدمه إليه.  وبهذه الثقة قال يسوع لتلاميذه: "ثقوا: أنا قد غلبت العالم."يوحنا 16: 33.  أما الذين لم يحسموا مرهم مسبقاً كيف سيتصرفون عندما تأتي التجربة، فعلى الأرجح أنهم سيسقطون.

 

ثمن فرح القداسة

وفي القداسة فرح نابع من تواصل لا ينقطع مع الله الآب والله الروح القدس.  ولم يكن ممكناً أن يقايض يسوع هذا الفرح الثمين بشيء رخيص من بضاعة إبليس.  ولعلك مستمعي الكريم تتذكر الآية التي اقتبسناها في الفصل الماضي في هذا السياق.  يقول الله الآب في لغة أشبه بالغزل بالمسيح: "أحببت البر وأبغضت الإثم.  من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج." مزمور 45: 7.  أما الأفراح التي يعرضها علينا العالم فعابرة وسطحية.

 

عرف أن الخطايا سهام تخرق قلب الله  

وعرف السيد أن الخطية عداوة لله.  تقول كلمة الله: "ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية.  بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله."يوحنا 6: 13.  إن الفكرة هنا هي أننا نصبح أسلحةً في يد الشر وإبليس عندما نتطوع لارتكاب الخطايا.  ويفترض فينا كمؤمنين توحدنا مع المسيح في قيامته أن نمارس الصلاح والبر.  وبهذا نضع أنفسنا كأسلحة صالحة في يد الله.  فالخطايا سهام توجه إلى الله.  وأعمال البر سهام توجه إلى إبليس.  وما كان ممكناً أن ينضم المسيح إل إلى جانب الله الآب في هذه المعركة. 

ولا يستطيع المؤمن أن يكون سلاحين متناقضين في يد طرفين متناقضين في نفس الوقت.  ولا يستطيع الله أن يستخدم من يستخدمه إبليس.  إذ "لا يقدر خادم أن يخدم سيدين."لوقا 16: 13.  

 

عرف أن الخطية ذل وعبودية

وكان يسوع يدرك أن الخطية ذل وعار وعبودية.  قال: "إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية."يوحنا 8: 34.  وهيهات أن يتخلى عن حريته ذاك الذي يعتز بها!  وهيهات أن يسلم إرادته الحرة لتكون في يد ذاك الشرير الذي يحتقر المسيح كل ما يمثله.

 

عرف أن طبيعة الخطية موت

وعرف المسيح أن الخطية موت.  هي في الممارسة نشاط بعيد عن منابع الحياة.  وهي غياب لكل ثمر صالح.  إنها تبعدنا عن الحياة الغنية الفياضة التي جاء المسيح لكي يفتح لنا آفاقها.  قال، "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل."يوحنا 10:10.  وهي أيضاً موت كمصير.  يخاطب بولس رسول المسيح المؤمنين بوحي الله فيقول: "لأنكم لما كنتم عبيد الخطية، كنتم أحراراً من البر.  فأي ثمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تستحون بها الآن؟  لأن نهاية تلك الأمور هي الموت.  وأما الآن إذ عتقتم من الخطية، وصرتم عبيداً لله، فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية." رومية 6: 20-22.  أما المسيح فهو نقيض الموت، لأنه هو نفسه الحياة.  يصف يوحنا تلميذ المسيح ورسوله مجيء السيد إلى العالم بقوله: "إن الحياة ظهرت."1 يوحنا 1: 2.    ويوضح هذا النص أيضاً أن الخطايا هي من الأمور الموجبة لخجل أصحابها.

 

أراد أن يظل منسجماً مع نفسه

إن الخطية هي نقيض كامل لطبيعة المسيح في قداسته.  فهو في القداسة وفي حياة البر والصلاح منسجم مع نفسه.  وهو لهذا يتمتع بسلام كامل عجيب.  فلماذا يتطوع لإدخال صراع وتناقض لا موجب له إلى نفسه المتوائمة مع روح الله، روح القداسة؟

 

الخطية نقيض كامل لقصده

وجاء السيد لكي يبطل الخطية التي هي عمل إبليس.  يقول الوحي: "لأن إبليس من البدء يخطئ.  لأجل هذا ظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس."1 يوحنا  3 : 8.  وقد ترتبت على الخطية عواقب وأمراض ومآس وقيود وموت.  ولقد جاء السيد لكي يشفي ويعزي ويحرر ويحيي.  وليس من المنطقي أن يخطئ فيعمل ضد قصده وغايته.  هو المحرر.  قال: "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً."يوحنا 8: 36.    وإنه لأمر فوق التصور أن يقبل المحرر أن يكون ضحيةً وسجيناً.  ولا يمكن أن يتحول الحل الوحيد إلى جزء من المشكلة.

 

الخطية تجلب اللعنات

عرف يسوع أن الخطية هي طريق اللعنة.  أما هو فقد جاء لكي يبارك كل شعوب الأرض.  عرف أن الخطية هي دعوة إلى دينونة الله وعقابه وتأديبه.  أما هو فقد جاء لكي يرفع هذه الدينونة ويرسخ السلام مع الله.  يقول الوحي: "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع."رومية 8: 1.

 

من يخطئ يسيء إلى نفسه

أدرك المسيح أن من يخطئ فإنما يخطئ ضد نفسه أيضاً.  ولا يسيء إلى نفسه إل شخص مغيب العقل أو مبغض لنفسه.  وهذا أمر غير وارد بالنسبة له.  تصف كلمة الله الذين يرتكبون الإثم بصفتهم "هؤلاء المخطئين ضد نفوسهم."عدد 16: 38.

 

استمرار التجارب وفشل إبليس

ويقدم لنا الكتاب المقدس الموثوق عدة أسباب تبرهن أن يسوع لم يخطئ.  فقد استمر إبليس يجربه بشكل مباشر وغير مباشر حتى النهاية.  وذات مرة جربه وحاول أن يعثره من خلال تلميذه بطرس الذي حاول أن يبعده عن طريق الصليب والفداء.  فقال له يسوع: "اذهب عني يا شيطان!  أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس."متى 16: 23.  ولو أن إبليس نجح في إغواء يسوع مرةً واحدةً لاكتفى.  إذ سيكون هذا انتصاره الأعظم. ونحن نعرف أن المسيح لم يخطئ، لأنه أكد أنه لا يوجد منفذ لإبليس إليه.  قال عن إبليس: "لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء."يوحنا 14: 30.

 

ما زال التحدي قائماً!

وكان يسوع واثقاً أن اليهود الذين وضعوه على الدوام تحت مجهر المراقبة لن يستطيعوا أن يثبتوا عليه خطية.  ولهذا تحداهم قائلاً: "من منكم يبكتني على خطية؟"يوحنا 8: 9.  فلم يوجد شخص واحد يقبل هذا التحدي!

 

فتح لنا الطريق إلى الله

ونعرف أن السيد لم يخطئ لأن الله قبل ذبيحته، أي تضحيته بنفسه من أجل خطايا العالم.  يخبرنا مرقس بوحي الله أنه في نفس لحظة موت المسيح "انشق حجاب الهيكل إلى اثنين، من فوق إلى أسفل." مرقس 15: 38.  ففتح بهذا الطريق إلى حضرة الله لكل من يؤمن به.

 

قيامة يسوع هي برهان بره

وتؤكد قيامة يسوع أنه عاش باراً طوال حياته.  ولقد سبق أن تنبأ داود بهذا بالروح حين قال مخاطباً الله: "لن تدع تقيك يرى فساداً."مزمور 16: 10.  ولو أنه أخط كما قام من بين الأموات، ولاحتاج إلى من يدينه بدلاً من أن يكون هو "الديان العادل للأحياء والأموات".أعمال 10: 42.

 

الحياة مستمرة!

ونعرف أن السيد لم يخطئ لأن الحياة ظلت قائمةً بعد كل تجربة تعرض لها يسوع.  واستمر النظام يسودها إلى الآن. فما زالت الشمس تشرق كل صباح.  وما زالت الأزهار تنشر في الجو رائحة الحياة والجمال. وما زالت الخليقة بتصميمها وقصدها تحكي بفصاحة عن عظمة الله.

 

قدوس على الدوام!

ووهكذا احتفظ يسوع باقتدار بلقب  القدوس. كان قدوساً قبل تجسده. لوقا 1: 35.  وكان قدوساً في حياته أعمال 3: 14. على الأرض.  وكان قدوساً بعد قيامته.رؤيا 3: 7.وقد شهد بهذا تلميذه ورسوله بطرس الذي عرفه حق المعرفة. يقول مخاطباً اليهود الذين صلبوا المسيح, "أنتم أنكرتم القدوسً البار." لنلاحظ أنه لم يقل إن يسوع قدوس وبار فحسب, لكنه استخدم أل التعريف هنا التي تفيد الحصر والقصر. فهو الوحيد القدوس والبار بصورة مطلقة. فهو كامل القداسة والبر في حين أن كل قداسة خرى لأي بشر هي نسبية. ومن يعرف لغة الكتاب المقدس والفكر اليهودي بعرف أن هاتين الكلمتين تشيران إلى الله وحده. وكان المسيح قدوساً أيضاً بعد قيامته.
 

الجميع أقزام أمامه

كم يتضاءل البشر أمام عملاق القداسة هذا!  لكن قداسته هذه لا تدعونا إلى الإحباط.  بل تقدم كتشجيع لنا للاقتداء به والسير على خطاه.  تقول كلمة الله: "بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة."  1 بطرس 1: 15. وهو يمدنا أيضاً بقوة لنحيا تحت تأثير قداسته.

 

أسئلة الفصل السادس والعشرين

كيف اعتمد يسوع في حياته كإنسان على الروح القدس؟

ما هي بعض العوامل التي ساعدت يسوع في انتصاره على كل تجارب إبليس؟

ما هي الصورة التي يرسمها الوحي عندما يقول لنا، "ولا تقدّموا أعضاءكم آلاتِ إثمٍ للخطية"؟

كيف نتأكد أن المسيح لم يخطئ قط؟

 


www.agape-jordan.com - 2005