الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح كابن الإنسان

الفصل الثامن والعشرون

 سنتناول في هذا الفصل الأبعاد المتضمنة في لقب "ابن الإنسان" الذي اختار المسيح أن يطلقه على نفسه.  فلماذا استخدم هذا اللقب وماذا عنى به؟  وهل قصد به أن يؤكد ناسوته نافياً لاهوته؟  وهل يستخدم لقب "ابن الإنسان" كنقيض لاسم "ابن الله"؟

 

بنوته لله أزلية أبدية

السيد المسيح شخصٌ واحدٌ ذو طبيعتين – إلهية وبشرية.  فهو الله الكامل والإنسان الكامل.  فهو ابن الله أو الله الابن في علاقته بالله.  ويترتب على هذا أن بنوته لله الآب أزلية.  وهي بنوةٌ سبقت تجسده وبقيت معه في تجسده وظلت معه على مدى حياته الأرضية وبعدها، وستظل معه إلى أبد الآبدين.  فهي بنوةٌ ثابتةٌ لا تتغير إن كان الله الآب آباً منذ الأزل، وكان الابن ابناً منذ الأزل.  وهو موضوعٌ سنتناوله في فصل قادم بإذن الله.

 

بنوته للإنسان مكتسبة 

لكن المسيح في مجيئه إلى هذا العالم اتخذ طبيعةً بشريةً وصار إنساناً كاملاً.  وهكذا ربط نفسه بالبشر إلى الأبد دون أن يؤثر ذلك في شيء في هويته الثابتة كابن الله.  ترتب على تجسد السيد وضعٌ جديدٌ يكون فيه ابن الإنسان أيضاً.  وهكذا توجد للمسيح في طبيعته المزدوجة بنوتان.

 

هو أيضاً ابن الله بسبب دور الآب والروح القدس في تجسده

لكن هنالك نقطةً جديرةً بالذكر هنا.  فعلى الرغم من أن المسيح ولد من عذراء كإنسان، إلا أنه دعي أيضاً ابن الله بسبب القوة العاملة في الحبل به في أحشاء مريم العذراء القديسة المباركة.  فقد قال لها الملاك: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك.  فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله." لوقا 1: 35.  لقد سبق أن استحق السيد اسم "ابن الله" بسبب طبيعته الإلهية وعلاقته الأزلية بالله.  ولكنه يستحق الآن هذا اللقب بمعنى آخر مرتبط بالطريقة الفريدة التي جاء ليسكن بها في أحشاء مريم.  فقد حدث هذا نتيجةً لحلول الروح القدس عليها وتظليل الله  العلي بقوته لها.  كان الروح القدس، أي روح الله, هو العامل المباشر في هذا الحبل.  فكما قال الملاك ليوسف خطيب مريم: "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس."متى 1: 20.  ولهذا كان لائقاً أن يدعى المسيح "ابن الله" أيضاً.  وفضلاً عن ذلك، فإنه لم يكن أمراً مناسباً في غياب أب بشري فعلي أن ينسب يسوع إلى أمه, حسب عادات الشرق، لما قد يحمله ذلك من تلميح ظالم للأم وتعريض بشرفها.

 

يوجد سبب خطير وراء ولاته الفريدة

ولا بد لكل إنسان متبصر أن يسأل: "لماذا اختص الله المسيح دون بلايين البشر بمثل هذه الولادة الفريدة؟  ألا يحاول الله أن يقول لنا شيئاً عن المسيح إن كان لنا أذنان نسمع بهما وعقلٌ ندرك به؟

 

نسب إلى يوسف شرعاً

ونسب يسوع إلى يوسف أيضاً.  فقد كان يوسف يعتبر أمام الشريعة اليهودية الزوج الشرعي لمريم حسب تشجيع الملاك له.  فعلى الرغم من أنه لم يكن الأب الطبيعي ليسوع، إل أن علاقته بمريم جعلته الأب الشرعي له.  يقول الوحي: "ولما ابتدأ يسوع (خدمته الجهارية) كان له نحو ثلاثين سنةً، وهو على ما كان يظن (من قبل الناس) ابن يوسف."لوقا 3: 23.  وقال فيلبس لنثنائيل مثلاً، "وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة."يوحنا 1: 45.  وحتى أمه كانت تشير إلى زوجها الشرعي بصفته أباً ليسوع.  قالت له بعد أن تخلف في الهيكل: "لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين." لوقا 2: 48.

 

نسب أيضاً إلى داود

ودعي السيد أيضاً ابن داود متى 1:1، ذاك الذي وعده الله بأن ابناً من نسله سيتربع دوماً على عرش مملكته.  ولهذا قال الملاك لمريم عنه: "هذا يكون عظيماً، وابن العلي يدعى.  ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه."لوقا 1: 32.  لكن دوره كملك ليس كل ما هو متضمنٌ في كونه ابن داود.  إذ يتوقع منه أن يظهر قدرات تفوق قدرات البشر, فيرحم ويشفي.  فأثناء خروجه من مدينة أريحا، "تبعه أعميان يصرخان ويقولان: ’ارحمنا يا ابن داود.‘"متى 9: 37.   وبالفعل أظهر رحمته وقدرته وشفاهما.  وجعلت معجزاته اليهود يتساءلون إن كان حقاً المسيح الموعود.  قالوا: "ألعل هذا هو ابن داود؟"متى 12: 23.

 

ابن داود مستحق للتسبيح!

ويتخطى انتساب المسيح إلى داود التضمينات البشرية المتعارف عليها.  فقد وجدت الجموع أن هذا يجعله مستحقاً للتسبيح.  يقول الوحي: "والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: ’أوصنا لابن داود، مباركٌ الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي!" متى 21: 9.  غير أن انتساب المسيح إلى داود لم يحل دون أن يدعوه داود رباً له.  وقد أكد يسوع نفسه هذا الأمر.  تقول كلمة الله: "وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً: ’ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟‘ قالوا له: ’ابن داود.‘ قال لهم: ’فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك.  فإن كان داود يدعوه رباً، فكيف يكون ابنه؟‘"متى 22: 41-45.  لسنا هنا أمام إنكار لأن يكون المسيح من نسل داود.  لكننا أمام محاولة لتنبيه العقل الغافل أن المسيح هو أكثر بكثير من مجرد ابن لداود.  وهكذا تتقاطع الحدود بين الإشارات إلى لاهوت المسيح وبشريته.

 

أصل وذرية داود!

ولعل أكثر التصريحات المذهلة التي جاءت على لسان السيد حول علاقته بداود ترد في سفر الرؤيا.  يقول:  "أنا أصل وذرية داود."رؤيا 22: 16؛ انظر رؤيا 5:5.  إنه أصل داود مع أنه من ذريته في نفس الوقت.  إنه أصله لأنه خالقه، ومن هنا استحق أن يدعوه داود رباً له!

 

أبعاد لقب ابن الإنسان

اختار يسوع لنفسه لقب "ابن الإنسان" مظهراً كيف يحيا الإنسان الجديد في انسجام كامل مع إرادة الله، دون أن تلوث الخطية كرامته. يوحنا 8: 46.   ويشير لقب "ابن الإنسان" إلى السيد في حالة تواضعه ورقة حاله.  قال: للثعالب وجرةٌ ولطيور السماء أوكارٌ، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه."متى 8: 20.  وسيتعرض تحت هذه التسمية إلى الاضطهاد والآلام كما حدث مع يوحنا المعمدان.  قال يسوع لتلاميذه: "ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا.  كذلك ابن الإنسان سوف يتألم منهم."متى 17: 12.  وسيخونه أحد تلاميذه بهذه الصفة أيضاً.  ويشير هذا اللقب أو الاسم إلى يسوع في موته وقيامته.  قال السيد لتلاميذه: "ابن الإنسان سوف يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم."متى 17: 22-23.

 

قيامته تثبت أنه ابن الله

وإنه لأمرٌ مفهومٌ أن يشار إلى كونه ابن الإنسان في آلامه وموته، لأن الله لا يموت.  لكن قيامته من بين الأموات مسألةٌ أخرى.  إذ يقدم لنا الوحي قيامة يسوع بصفتها برهاناً قوياً لا يدحض على لاهوته في كونه ابن الله أيضاً.  يقول عن المسيح إنه "تعين (أي تبرهن) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات:  يسوع المسيح ربنا."رومية 1: 4.   والسر في ذلك هو أننا نتحدث عن شخص واحد ولو كان ذلك تحت صفتين مختلفتين.  فالذي قام من بين الأموات هو ابن الإنسان وابن الله.  ولهذا لن يكون ممكناً في أحيان كثيرة الفصل بين ما فعله السيد بصفته ابن الإنسان وبين ما فعله بصفته ابن الله أثناء حياته على الأرض.

 

صفة "ابن الإنسان" لا تلغي صفاته وسلطته الإلهية

لقد تجسد ابن الله وصار إنساناً.  لكن هذا لم يمنعه من أن يظل مالئاً السماء حتى وهو موجودٌ على الأرض.  قال يسوع: "وليس أحدٌ صعد إلى السماء إل الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء.يوحنا 3: 13 وهو يتمتع أيضاً تحت صفة ابن الإنسان بسلطة مغفرة الخطايا التي هي حكرٌ على الله وحده.  فقد شفى رجلاً مفلوجاً لكي يعلم الجميع "أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا"*مرقس 2: 10  حسب قوله.  وقد اكتسب هذا الحق بصفته ذاك الذي قدم كفارةً عن خطايا البشر، بالإضافة إلى كونه الله الذي لا يحق لغيره أن يفعل ذلك.

 

سيموت كابن الإنسان

وشبه يسوع دفنه تحت الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال كابن الإنسان ببقاء النبي يونان في جوف الحوت مدةً مشابهة.  قال، "كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال."متى 12: 40.  والتضمين حسب السياق هو أن قيامة المسيح ستتم في اليوم الثالث من دفنه، فتكون آيةً لليهود.  وسيأخذ كل ما رآه التلاميذ من مجد المسيح بعداً أوضح بعد قيامته.  ولهذا "وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم قائلاً: "لا تعلموا أحداً بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات."متى 17: 9  ويشير لقب ابن الإنسان إلى يسوع في تمجده، أي في نفس عملية صلبه وموته.  قال السيد عندما اقترب يوم صلبه: "قد أتت الساعة ليمجد ابن الإنسان."يوحنا 12: 23.  وسبب ذلك هو أن موته الفدائي سيؤدي إلى خلاص كثيرين ويثمر حياةً أبديةً لهم, وسيظهر بذلك مجد نعمته ومحبته.  قال: "الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها.  ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير." يوحنا 12: 24.

 

وفي صعوده

ويشير لقب ابن الإنسان إلى المسيح في صعوده إلى السماء أيضاً.  قال لتلاميذه: "فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً!" يوحنا 6: 22. فقد ظل محتفظاً بجسده وطبيعته البشرية حتى بعد صعوده.

 

الطبيعتان ضروريتان للشفاعة

ولا شك أن البعد البشري ضروريٌ ضرورة البعد الإلهي في شفاعة المسيح في الناس.  يقول بولس رسول المسيح بوحي الله:" لأنه يوجد إلهٌ واحدٌ ووسيطٌ واحدٌ بين الله والناس (هو) الإنسان يسوع المسيح."1 تيموثاوس 2: 5.  إذ تؤهله طبيعتاه الإلهية والبشرية لعب دور الوسيط بين الله والبشر.  ولنلاحظ هنا أنه يقال عنه في نفس الآية إنه إلهٌ وإنسان.  وهكذا فإن تعبير ابن الإنسان لا يستخدم لنفي الطبيعة الإلهية في المسيح.

 

في عودته في قوة ومجد

ويستخدم هذا اللقب أو الاسم في الإشارة إلى يسوع في عودته المجيدة المتوقعة إلى أرضنا.  قال: "وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحاب بقوة كثيرة ومجد."مرقس 13: 26.    سيأتي لكي يدين البشر ويؤسس ملكوته.

 

ماذا فهم اليهود من تعبير ابن الإنسان

ولا شك أن صورة ابن الإنسان الممجد ذكرت اليهود بقوة بتلك الصورة التي رسمها دانيال للمسيح المنتظر.  يقول: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام (أي الله)، فقربوه قدامه.  فعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة.  سلطانه سلطانٌ أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض."دانيال 7: 13-14.  فهو ذاك الذي يعبد ويسجد له بصفته صاحب المركز المساوي لله الآب.  فحين قال المسيح لرؤساء الكهنة والكتبة: "منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله"لوقا 22: 69.، فهموا وأدركوا أخيراً أنه يشير إلى لاهوته.  إذ سأله الجميع بناءً على قوله السابق: "أفأنت ابن الله؟"  فقال لهم "أنتم تقولون إني أنا هو."لوقا 22: 70.  ويعني هذا صراحةً وفق لغتهم "نعم"، أو "الأمر هو تماماً كما قلتم أنتم."  ولهذا قالوا: "ما حاجتنا بعد إلى شهادة؟  لأننا نحن سمعنا من فمه."لوقا 22: 71.  وهكذا صار تعبير "ابن الإنسان" معادلاً في مفهومه لتعبير "ابن الله".  وعلى هذا رأى اليهود أن المسيح مستوجبٌ القتل لادعائه أنه ابن الله.

لقد صار يسوع ابن الإنسان بموجب ولادته.  لكنه كان على الدوام ابن الله.

 

أسئلة الفصل الثامن والعشرين

المسيح هو "ابن الله" بمعنيين مختلفين. ما هما؟

لماذا لم ينسب الوحي الإلهي المسيح إلى أمه كلقب أو اسم له ليقول عنه "المسيح ابن مريم" أو "يسوع ابن مريم"؟

أجب عن سؤال المسيح. لقد دعا داود المسيح الآتي رباً له "فإن كان داود يدعوه رباً، فكيف يكون ابنه؟

ما هي بعض أبعاد كون المسيح "ابن الإنسان"؟

ما الذي يجعل طبيعتي المسيح الإلهية والبشرية ضروريتين للشفاعة؟

ماذا فهم رؤساء الكهنة والكتبة عندما قال المسيح، "منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله"؟

 


www.agape-jordan.com - 2005