الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح كابن الله (4)

الفصل الثاني والثلاثون

                                         

 نواصل في هذا الفصل تأملاتنا في بنوة المسيح لله.

 

تعبير "الابن" لا يتضمن التقليل من الشأن

ألمحنا في الفصل الماضي إلى أن القول إن المسيح هو "مجرد ابن" يتضمن تناقضاً.  إذ يراد بكلمة "مجرد" التقليل، بينما تدل كلمة "ابن" على السيادة والاستقلال والكرامة.  تنم كلمة "ابن" عن هيبة خاصة.  فقد رأى اليهود في قول المسيح إنه ابن الله موجباً للقتل لأنه جعل نفسه معادلاً لله. (يوحنا 5: 18) قالوا لبيلاطس الوالي: "لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت، لأنه جعل نفسه ابن الله." (يوحنا 19: 7) ويدل رد فعل بيلاطس على خطورة احتمال صحة أن يكون يسوع ابن الله فعلاً.  يقول الوحي: "فلما سمع بيلاطس هذا القول ازداد خوفاً." ويضيف "من هذا الوقت كان بيلاطس يطلب أن يطلقه." ( يوحنا 19: 12) إذ أراد أن يتجنب مسؤولية الحكم على يسوع بالصلب.  فلا بد أن يكون قد وضع في اعتباره احتمال صحة قول يسوع.

 

يستخدم مفهوم البنوة بمعنى إيجابي 

وحتى حين يتحدث الوحي عن بنوة المؤمنين لله، فإنه يتحدث عنها من منظور النضج والبلوغ والتحرر من كل خوف. تقول كلمة الله: ’لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله.  إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف.  بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: "يا أبا الآب."  الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح.  إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه." (رومية 8: 14-17)

 

بنوة المسيح فريدة

إن من الواضح في هذا النص أن المؤمنين بالمسيح صاروا أبناءً لله بالتبني.  وهم بهذا يختلفون عن المسيح، الابن الأصيل لله.  وعلى الرغم من هذا، فقد خرجوا من دائرة العبودية.  كانوا عبيداً تتسم علاقتهم بالله بخوف شديد منه ومن عقابه لأنهم كانوا أعداءً له.  أما الآن وقد صولحوا معه من خلال الإيمان بالمسيح، صاروا أبناءً لله، فانتزع منهم ذلك الخوف.  وإن كان لا بدً من خوف، فهو خوف التقدير والاحترام والمهابة للآب السماوي.  ويذكرهم روح المسيح الذي فيهم بهذه الحقيقة على الدوام.  وبناءً على بنوتهم المكتسبة، صاروا ورثةً لغنى الله وبركاته، بعد أن وصلوا إلى نضج ينقادون معه بروح الله.  وتتضمن هذه البنوة أيضاً لا ميراثاً فحسب، بل مجداً أيضاً.  وسيشتركون في هذا الميراث والمجد مع المسيح وبفضل المسيح.  أما المسيح فهو الابن الأصيل الوحيد.  ولهذا يتحدث عنه الوحي بصفته ذاك "الذي جعله (الله) وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين." (عبرانيين 1: 2) فهو وارث أيضاً بسبب دوره في الخلق.

 

البنوة نضج وحرية وغنى

ونأتي إلى نص آخر مشابه يؤكد على النضج والغنى المتضمنين في البنوة.  يقول بولس رسول المسيح بوحي الله, " لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم.  ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني.  ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً: "يا أبا الآب".  إذاً لست بعد عبداً، بل ابن.  وإن كنت أبناً فوارث لله بالمسيح." (غلاطية 4: 3-7)

 

نصير أبناء لله من خلال بنوة المسيح

لنلاحظ هنا عدة أمور.  أولاً، إنه يربط بين البنوة والنضج.  ثانياً، كان المسيح ابناً قبل أن يولد.  لم تجعله الولادة ابناً لله، بل كانت الولادة طريقة مجيئه إلينا من مكانه الأزلي في السماء.  ويتضمن هذا بالضرورة أن يسوع أو الابن كان ناضجاً قبل مجيئه إلى العالم.  ثالثاً، كان هدف مجيء الابن هو إنهاء عبوديتنا من خلال تبني الله لنا.  فكانت بنوة المسيح الأصيلة قناةً لبنوتنا المكتسبة لله.  رابعاً، جاءت بنوتنا المكتسبة من خلال سكنى روح المسيح، الروح القدس فينا.  خامساً، لعل المستمع الكريم لاحظ هنا أن الروح القدس نفسه هو الذي يصلي عنا وفينا إلى الله "يا با الآب".  وهكذا يختلط صوته بأشواقنا وأصواتنا مؤكداً على اتصالنا مع الله بصفة البنوة الجديدة.  أما في ما يتعلق بالمسيح، فلقد كان الابن الأصيل على الدوام قبل أن يمتلئ بالروح القدس كإنسان على الأرض.  سادساً، يضع النص العبودية مقابل البنوة والسيادة.  فالعبد ليس ابناً، والابن ليس عبداً.  سابعاً، يتمتع الابن بحق الوراثة وواقع الغنى.  وهذا أمر غير متاح للعبد.

 

البنوة امتياز وأولية

تحدثنا في فصل سابق عن المسيح، لا بصفته الابن فحسب، بل بصفته الابن البكر.  وقلنا إن هذا يشير إلى امتيازاته ووليته وتقدمه على كل كائن مخلوق وخليقة - (انظر الفصل الثالث) -، بصفته خالقها.

 

أزلية البنوة تبين قيمتها العظيمة 

تنبع القيمة المطلقة لبنوة المسيح من أزليته.  ونستعيد هنا قول الوحي على لسان النبي ميخا عن المسيح قوله: "مخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل." (ميخا 5: 2) ونحن ندرك صعوبة فكرة الأزلية.  فهل هنالك صورة تقريبية لها في الكتاب المقدس؟

 

ملكي صادق صورة رمزية للمسيح

يستحضر كاتب الرسالة إلى العبرانيين بوحي الله شخصيةً تاريخيةً من شخصيات العهد القديم.  ثم يشرح لنا الأسلوب الأدبي الذي قدم فيه الوحي تلك الشخصية لتقدم صورةً تقريبيةً للمسيح في أزليته وأبديته.  وهذه الشخصية هي ملكي صادق.  وهو يقدم لحديثه بالقول إن يسوع دخل إلى حضرة الآب السماوي "كسابق (أي رائد) لأجلنا، صائراً على رتبة ملكي صادق، رئيس كهنة إلى الأبد." (عبرانيين 6: 20) فمن هو ملكي صادق هذا؟  وكيف يكون المسيح رئيس كهنة إلى الأبد على رتبته؟  وكيف يساعدنا على فهم أزلية المسيح؟ يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "لأن ملكي صادق هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلي، الذي استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه، الذي قسم له إبراهيم عشراً من كل شيء، المترجم أولاً "ملك البر" ثم أيضاً "ملك ساليم" أي ملك السلام"، بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة.  بل هو مشبه بابن الله.  هذا يبقى كاهناً إلى الأبد." (عبرانيين 7: 1-4)

 

ملك البر والسلام   

لا بد أن نلاحظ قبل كل شيء أنه مهما كانت حقيقة ملكي صادق هذا، فإنه هو المشبه بابن الله، لا العكس.  فالأصل هو ابن الله.  بينما يشكل ملكي صادق صورةً أدبيةً له.  ثانياً، لقد كان ملكي صادق شخصيةً حقيقةً تاريخيةً.  ولم يكن هو ابن الله.  لكن هنالك وجوه شبه بينهما.  ثالثاً، كان ملكي صادق، ملكاً على منطقة جغرافية اسمها ساليم التي تعني "السلام".  ويعني اسمه صادق "البار".  ومن هنا يقول عنه إنه ملك البر والسلام.  وهذا مجرد معنى اسمه ولقبه.  وبطبيعة الحال، فإن المسيح يدعى "رئيس السلام" (إشعياء 9: 7) "والرب برنا" ( إرميا 33: 16)، لا كمجرد لقب أو بسب انتساب إلى بقعة جغرافية.  بل دعي كذلك لأنه مؤسس كل سلام بين البشر وبين الله، ومصدر كل بر للبشر أمام الله.  وتأتي تسمية ملكي صادق بملك البر والسلام من خلال معنى اسمه والمنطقة التي حكمها صورةً رمزيةً لحقيقة المسيح.

 

ظهور مفاجئ!

 رابعاً، لقد ظهر ملكي صادق فجأةً في العهد القديم.  فلا يحدثنا الكتاب المقدس مثل عن أمه وأبيه أو عن نسبه أو قصة ولادته.  فكأنه جاء بلا أب ولا أم، أو كأنه كان موجوداً على الدوام.  وبطبيعة الحال، فإن هذا لا يعني أنه لم يأت من أب أو أم، وإل لكان مشبهاً بآدم.  لكن الكاتب بقصد أن الوحي أغفل عمداً ذكر أبيه وأمه، فظهر فجأةً ملكاً ورئيس كهنة.

 

لا علة لوجود المسيح

نجد هنا صورةً أدبيةً لأزلية المسيح.  فقد كان موجوداً في الأزل على الدوام.  ولم يولد في الأزل من أم وأب كما يولد البشر هنا.  ولم يوجد بعد أن لم يكن.  لقد كان الله الآب أباه منذ الأزل، لكنه كان موجوداً مع الآب على الدوام.  ولقد ولد على الأرض من أم هي مريم القديسة المباركة، لكنه كان موجوداً دائماً قبل أن يولد منها.  وهنا وجه الشبه.  فالمسيح أو الابن موجود دائماً دون علة لوجوده، كالصورة التي يرسم فيها الوحي ملكي صادق.  فهو لا يذكر أباً أو أماً كعلة لوجوده.

 

ملك وكاهن في نفس الوقت

خامساً، كان ملكي صادق رئيس كهنة وملكاً.  لقد عينه الله نفسه في هذين المنصبين.  وهما منصبان عين الله الآب المسيح أيضاً فيهما.  ولقد رأينا كيف أن الله أعلن الابن في المزمور الثاني ملكاً.  كما أعلنه الله رئيس كهنة حيث يقول "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق." (مزمور 110: 4)

سادساً، إن المسيح كاهن ملكي، لأنه كاهن وملك بالإضافة إلى أنه أزلي بلا بداية.

 

لم يعين كاهناً وفق الشريعة الموسوية

سابعاً، لم يعين ملكي صادق رئيس كهنة وفق الشريعة الموسوية.  إذ لم تكن قد عطيت بعد.  ولم يكن ملكي صادق من نسل هارون الكهنوتي الذي لم يكن قد ولد بعد.  وبنفس الطريقة، لن يكون المسيح من نسل هارون، لأنه لن يرث كهنوت بشر.  بل سيعين رئيس كهنة من الله مباشرةً.

 

أعظم من إبراهيم

ثامناً، كان ملكي صادق أعظم من إبراهيم، لأنه هو الذي بارك إبراهيم وأخذ منه العشر.  ولهذا فإن المسيح هو أعظم من إبراهيم لكونه رئيس كهنة على غرار كهنوت ملكي صادق.

 

يرسم الوحي صورة ملكي صادق وكأنه بلا نهاية

تاسعاً، لا يذكر الوحي كيف مات ملكي صادق.  بل يختفي من الصورة فجأة، وكأنه لم يمت، وكأن حياته بلا نهاية.  وهذه صورة تقريبية لأبدية المسيح الذي لا نهاية لحياته.  فهو الأزلي الأبدي، إنه "الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر".*  ولا يعني هذا أن ملكي صادق لم يمت، بل يعني أن الوحي تعمد أن يغفل ذكر موته كما أغفل ذكر ولادته، ليبدو وكأنه بلا بداية ولا نهاية كالمسيح السرمدي.

 

كهنوته أبدي 

عاشراً، بدا كأن كهنوت ملكي صادق أبدي، لأنه بدا وكأنه لم يمت.  لكنه انتهى مع كهنوته لأنه مات.  أما يسوع، فكهنوته هو "بحسب قوة حياة لا تزول." (رؤيا 22: 13).فهنيئاً لنا!  إن لنا رئيس كهنة أزلياً أبدياً يشفع فينا إلى الأبد.  إنه ابن الله نفسه. (عبرانيين 7: 16)

 

أسئلة الفصل الثاني والثلاثين

ما هي أبعاد استخدام تعبير "ابن الله" في انطباقه على المؤمنين في الرسالة إلى غلاطية؟

من هو ملكي صادق؟ وماذا يعني اسمه؟ وماذا يعني الوحي بقوله إنه "بلا أب، بلا أم، بلا نسب، بلا بداءة أيام له ولا نهاية حياة"؟

ما الذي يعنيه أن المسيح ملك وكاهن على رتبة ملكي صادق؟

 


www.agape-jordan.com - 2005