الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح كابن الله (6)

الفصل الرابع والثلاثون

                                         

نواصل في هذا الفصل تأملاتنا في بنوة المسيح كما ترسمها ريشة الوحي الإلهي.

 

اقتحام الخلوة الإلهية!

تختلط المشاعر وتتداخل الخواطر وتزدحم الأفكار عندما يدخلنا الوحي الإلهي إلى مناطق إلهية خاصة.  ففي الإصحاح السابع عشر من الإنجيل حسب يوحنا يأخذنا الروح القدس إلى محراب يسوع.  يطلب إلينا أن نخلع أحذيتنا مومئاً إلينا أن نمشي على رؤوس أصابعنا لئلا نعكر صفو تلك الخلوة الإلهية الفريدة.  إنها لحظات لها خصوصيتها المميزة.  فالروح القدس لا يريد أن يسمعنا هنا عقائد وتوجيهات وإعلانات عامة.  بل يريد أن يدخلنا إلى حجرات قلب الله نفسه.  يريدنا أن نبحر في شرايين الله وأوردته لنلتقط صوراً حيةً لنبضات قلبه.  يريد أن يأخذنا إلى مسارب روحه وطرقات أفكاره لكي نكون شهود عيان على نواياه ودوافعه.  ويضع الروح القدس سماعةً خاصةً على آذاننا لكي نسمع كلمات لا يتاح لنا سماعها كل يوم في ظروفنا العادية.

 

الروح القدس يأخذنا إلى محضر يسوع

يدخلنا الروح القدس في تطفل مقدس مهيب على حديث خاص جداً من الابن للآب. والروح القدس هو وحده القادر على سبر غور أعماق الله.  فهو روح الله.  تقول كلمة الله: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله.  لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان روح الإنسان الذي فيه؟  هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد روح الله." (كورنثوس 2: 10-11) وهكذا يضع الروح القدس آذاننا على صدر الله وعلى فمه لكي تدخل كلمات قلبه مباشرةً إلى أرواحنا.  وبهذا نعرف ما يشغل باله ويستغرق عواطفه ويرسم بوصلةً لقصده.

 

شركة دافئة!

لا يطرح لنا الإصحاح السابع عشر من يوحنا بنوة المسيح الأزلية وبوة الآب الأزلية كعقيدة جامدة.  بل يضعها أمامنا كواقع حي مشبوب بالعواطف المقدسة، واقع يمكننا أن نشهده وندخل ونشترك فيه في لحظة من لحظات الزمن.  إنه لا يبد بالمسلمات لينتهي إلى البراهين أو الاستنتاجات.  فهو لا يقدم لنا فلسفةً ميتافيزيقية.  لكنه يحضر الله إلى المشهد البشري مظهراً إياه في تفاعله وتموجات عواطفه داخل الذات الإلهية.  يريد إطلاعنا على العلاقة الحميمة بين الآب والابن في عمقها وبساطتها.  فهل يعاملنا كأصدقاء مؤتمنين على أسراره؟

 

لفة قديمة بينه وبين الآب

ندخل محراب يسوع، فنجده في "حضن الآب" (يوحنا 1: 17) الذي لم يتركه لحظةً واحدة.  يقول: "أيها الآب، قد أتت الساعة. مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً." (يوحنا 17: 1) وإن أول ما يلفت الانتباه هو أنه يخاطبه باسمه الشخصي، أي الآب.  لقد عرف المسيح الآب بهذه الصفة منذ الأزل.  وبهذه الصفة أيضاً أظهر المسيح الآب للناس في العهد الجديد.  لقد ذاق الآب والابن حلاوة البوة والبنوة الأصيلتين في شركتهما الأزلية, قبل خلق العالم.  وقد أرادا أن يذوق العالم شيئاً من طعم هذه العلاقة المقدسة.  ولن يعرف الآب على حقيقته إل أولئك الذين يقتربون بالإيمان من يسوع.  يقول: "أنا أظهرت اسمك للناس الذي أعطيتني من العالم." (يوحنا 17: 6) إن الذين يجذبهم الآب إلى المسيح هم وحدهم الذين سيعرفون الآب والابن على حقيقتهما.

 

يخاطب الآب بصفته الابن

أما الأمر الثاني الذي لابد من ملاحظته فهو أن السيد يشير إلى نفسه بصفته "ابنك" في حديثه إلى الآب. ويبين هذا أنه الوحيد الحامل لهذا الاسم بهذا المعنى الفريد.  فلا توجد هنا إمكانية للخلط بين يسوع وبين أي كائن آخر.  ويبين هذا الحديث وهذا الخطاب أن الآب والابن متميزان على الرغم من وحدة الجوهر والطبيعة في الله الواحد.

 

سنتعرف بوة الآب من خلال الفداء

تأتي صلاة يسوع هذه في نهاية خدمته التعليمية المباشرة.  وهو يتوقع أن يكون الصليب هو الخطوة التالية.  وهو يشير إلى الصليب أو الصلب بلغة التمجيد.  فحين يقول الوحي إن "يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يوحنا 7: 39)، فإنه يعني أنه لم يصلب بعد مظهراً نعمتًه الفائقة.  فالأمر الثالث هنا هو أن يسوع من خلال موته سيتمجد ويكون قادراً على إعطاء البركة والحياة للبشر.  يقول: "إذ أعطيته سلطاناً على كل جسد ليعطي حياةً أبديةً لكل من أعطيته." (يوحنا 17: 2) لنلاحظ هنا أن الله هنا يريد أن ينتمي المؤمنون إلى المسيح شخصياً.  فقد أعطاهم له.  وسيمارس سلطته المجيدة من فوق عرش الصليب.  والفداء هو الطريق الوحيد لكي يعرف البشر الله بصفته الآب المحب لهم أيضاً؛ وبهذا يعود مجد المسيح على الآب بالمجد أيضاً.  وينطق هذا كله بالقصد المشترك بين الآب والابن، ألا وهو فداء البشرية.

 

أمامنا تحدي معرفة الآب والابن

أما القصد الآخر لله فهو أن يعرفوا الآب والابن معاً بصفتهما الحياة الأبدية.  يقول: "وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته." (يوحنا 17: 3) يستخدم يسوع هنا كلمة "وحدك" تمييزاً للآب عن كل إله زائف.  يقول بولس رسول المسيح بوحي الله: "نعلم أن ليس وثن في العالم، وأن ليس إله آخر إل واحداً.  لأنه وإن وجد ما يسمى آلهةً، سواء كان في السماء أو على الأرض، كما يوجد آلهة كثيرة وأرباب كثيرون.  لكن لنا إله واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء، ونحن له. ورب واحد: يسوع المسيح، الذي به جميع الأشياء، ونحن به." (1كو 8:4-6) ولقد اقتبسنا في الفصل الماضي آيات عديدةً تبين أن المسيح هو الإله الحق والحياة الأبدية. مثلاً 1 يوحنا 5: 20 ويضع هذا أمام الذين يختبرون الحياة الفضلى مسؤولية أن يعرفوا الآب والابن على نحو متزايد متعمق.  لكن الأمر كله يبد بتمجيد يسوع على الصليب، ذلك التمجيد الذي يرتكز عليه غفران الخطايا.

 

ثلاث صور للمجد 

ثم يتحدث السيد عن ثلاثة أنواع من المجد.  فهناك أولاً تمجيد الابن للآب عن طريق إتمامه المهمة التي أرسله من أجلها.  يقول: أنا مجدتك على الأرض.  العمل الذي قد أعطيتني لأعمل قد أكملته." (يوحنا 17: 4) والمجد الثاني هو المجد المستحق ليسوع بسبب إكماله المهمة الموكلة إليه وتمجيده للآب.  أما المجد الثالث فهو مجد الابن الأصيل الأزلي قبل خلق العالم.  يقول: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم." (يوحنا 17: 5) يعبر الابن هنا عن شوقه إلى العودة إلى الآب لمواصلة التمتع بما كان له من مجد مع الآب.  والأمر الذي يجدر بنا أن نلاحظه هنا أن هذا المجد هو مجد غير مسبب.  فهو ليس مجداً ناتجاً عن أي عمل قام به المسيح.  فنحن نتحدث عن مرحلة قبل الزمن وقبل أية عملية خلق.  فلم يكن ممكناً أن يكون الابن قد فعل شيئاً خارج الذات الإلهية يستحق عليه مجداً.  فقد كان مجداً في حضرة الآب.  إنه مجد اللاهوت الكامل بكل مظاهره, ذلك المجد الذي سيعود إليه المسيح بعد صعوده.

 

المسيح يمارس دوره الكهنوتي

ثم يتحول حديث الرب إلى مسار كهنوتي حيث يتشفع في المؤمنين به.  وهنا نتعرف شيئاً من أفكار الله وخططه لنا.  يقول: "أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.  كانوا لك وأعطيتهم لي.  وقد حفظوا كلامك.  والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك.  لأن الكلام الذي قد أعطيتني هو من عندك.  لأن الكلام الذي قد أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك، وآمنوا أنك أنت أرسلتني.  من أجلهم أنا أسأل.  لست أسأل من أجل العالم، بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك." (يوحنا 17: 6-9)

 

يتشفع في من يتخذ منه شفيعاً

يكرر السيد فكرةً سابقةً للتوكيد عليها.  فالمؤمنون هم ملكية مشتركة بين الآب والابن. (يوحنا 17: 13) وقد جذبهم الآب إلى الابن.  ويتميز هؤلاء المؤمنون بأنهم حفظوا كلام الآب، أي تجاوبوا مع رسالته وقبلوها على نقيض العالم الذي رفضها.  وقد تيقن هؤلاء أن السيد قد أتى من الله.  وهو لهذا يركز شفاعته عليهم.  فقد آمنوا أنه هو المرسل من الله لهم.  لقد تيقنوا أنه خرج من الآب نفسه.... من حضرته.  وتأكد لهم أن كل أعماله وتعاليمه هي من الآب مباشرةً.  فالمسيح هو الرسول السماوي الوحيد.  إنه الرسول الذي يعترف به الآب لكي نعترف به نحن أيضاً.  ولا يمكنه أن يكون رئيس كهنة إل للذين يعترفون به.  فهو كما يقول الوحي: "رسول اعترافنا ورئيس كهنته." (عبرانيين 3: 1) ولا يعترف الآب إل به، ولا يعترف بمن لا يعترف به.

 

وظائف ومقاصد مشتركة بين الآب والابن

يقول يسوع عن التلاميذ والمؤمنين من بعدهم: "أنا ممجد فيهم." (يوحنا 17: 10) لا بد أن يعكس المؤمنون شيئاً من مجد المسيح وروح المسيح, من صفاته وحضوره.  ويشير السيد إلى نصر وفرح مرتقبين فيقول: "ولست أنا بعد في العالم، وأما هؤلاء فهم في العالم، وأنا آتي إليك أيها الآب القدوس.  احفظهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن.  حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني." (يوحنا 17: 10-12) على الرغم من توق المسيح إلى العودة إلى قاعدته السماوية، إل أن همه منصب على المؤمنين به.  وهو يتحدث هنا عن وظيفة مشتركة مارسها مع الآب، ألا وهي حفظ المؤمنين.  لقد كان حفظهم وهو في العالم مسؤوليته المباشرة.  أما الآن فسيغيب عنهم، ويريد من الآب أن يحفظهم في اسمه.  ونجد هنا مرةً أخرى عملاً مشتركاً وقصداً مشتركاً بين الآب والابن.

 

مهتم بحفظ أتباعه من الشرير

ويقول: "أتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم.... العالم أبغضهم لأنهم ليسوا من العالم.... لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير." (يوحنا 17: 13-15) يعلن المسيح الآن سبب تصريحاته هذه.  إذ يريد أن يطمئن تلاميذه  إلى أمرين: عمله كرئيس كهنة وشفيع رؤوف بهم بعد رحيله، وإلى كونهم تحت رعاية الآب المباشرة بعد رحيله.  فهم ليسوا متروكين وحدهم في هذه البيئة العدائية التي تحمل قيماً مناقضةً لقيمهم.  لا يريد إخراجهم من العالم، لأن من شأن هذا أن يحبط خطط الله وينجح خطط إبليس.  ولا يسعه أن يحميهم من الحرب الروحية, فهي أمر لا مفر منه.  لكنه يريد أن يضمن وجود دعم دائم لهم فيها.

 

الآب والابن يقدسان المؤمنين

ويقول للآب: "قدسهم في حقك.  كلامك هو حق.  كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم.  ولأجلهم أقدس أنا ذاتي، ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق." (يوحنا 17: 17-19) يطلب السيد أن يكرسهم في الحق ويعمل في إرادتهم ليكونوا مكرسين حقاً.  فهو يريدهم أن يتموا مهمتهم بنجاح وامتياز كما أتم هو مهمته.  ويقول يسوع إنه يقدس ذاته، أي أنه يكرس ذاته ويمارس كل القوة الكامنة في إرادته لتحقيق هذه المهمة في حياتهم.  وسيكون هذا مصدر إلهامهم.

 

وحدة المؤمنين

ثم يطلب السيد من أجل كل المؤمنين: "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني." (يوحنا 17: 21) إن هم المسيح هو أن يظهر كل المؤمنين به وحدةً في الروح تعكس شيئاً من وحدة الآب والابن.

 

الله يحبنا نفس محبته للمسيح!

ويقول: "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني.... ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم أنك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني." (يوحنا 17: 22-23) لقد أعطى المسيح المؤمنين من سلطانه وروحه وتعاليمه ليكونوا واحداً.  لكن الخبر السار هنا هو أن الله يريد للمؤمنين أن يتذوقوا نفس نوع محبته للابن.  وسيأتي هذا من خلال المعرفة المتزايدة بالآب التي يقدمها لهم المسيح من خلال روح الله القدوس.  إذ سيحفزهم هذا على أن يحبوا بعضهم بعضاً.  يقول: "أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك.  أما أنا فعرفتك.  وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني.  وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم." (يوحنا 17: 25-26)

 

أسئلة الفصل الرابع والثلاثين

لماذا يسمح الوحي الإلهي في يوحنا 17 بأن نستمع إلى حديث خاص موجه من المسيح الابن إلى أبيه؟

على أية صورة يريدنا المسيح أن نعرف الله؟ ولماذا؟

ما هي "الحياة الأبدية" حسب تعريف يسوع لها؟

ما هي صور المجد الثلاث التي يذكرها المسيح في يوحنا 17؟

ماذا طلب المسيح إلى الله من أجل المؤمنين به في يوحنا 17؟

 


www.agape-jordan.com - 2005