الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

دور المسيح في الخلق

الجزء الأول
 

 نواصل في هذا الفصل تأملاتنا في لاهوت المسيح.  وسنركز بشكل موسع على دوره كخالق إثباتاً للاهوته.

 

مهندس مصمم ومنفذ للخليقة

إنه لأمر هام أن نفهم أن دور المسيح في خلق الكون لم يكن ثانوياً.  بل كان دوراً رئيسياً بكل معنى الكلمة.   والتعبير الرئيسي المستخدم للتعبير عن دوره في عملية الخلق هو "به" أو "فيه".  فمثلاً يقول يوحنا، تلميذ المسيح، مشيراً إلى كلمة الله، أي المسيح قبل التجسد: " كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان."يوحنا 1: 3  ويقول بولس رسول المسيح: "فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين".كولوسي 1: 16  لنتخيل السماء بجلالها، والفضاء باتساعه المكتظ بالمجرات التي تحضن ما لا يحصى من نجوم وكواكب. لنتخيلْ عظم هذا الكون الذي لا تستطيع أن تصل المناظير الهائلة إلى حدوده.  ولنتخيلْ أصغر ذرة في الكون.  لنتخيل السماء برتب ملائكتها، والأرض بمختلف أشكال الحياة عليها. فكرْ بكل ما هو منظور, ولْيطرْ خيالك إلى ما كل ما هو غير منظور.  إن كلمة الله الأزلي، أي المسيح, كان وراء ذلك كله.  فكل شيء يعود بأصوله إليه.

 

الصاحب الشرعي للكون

ولهذا قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين بوحي الله إن الله جعل المسيح "وارثاً لكل شيء."عبرانيين 1: 2  وهو الوارث لأنه الابن الأصيل لله الآب. ولا يعني هذا أن الله سيموت يوماً ما لكي يرثه المسيح. حاشا! لكنه يبين بلغة نفهمها نحن البشر أن للمسيح الحق الشرعي في كل شيء. فقد قال في الإنجيل حسب يوحنا: "كل ما للآب هو لي."يوحنا 16 : 15

 

خالق الزمن

لكن ماذا عن الزمن نفسه؟  إن الزمن عنصر مخلوق بدأ مع لحظة الخلْق.  يخبرنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين بوحي الله كيف دخل عنصر الزمن.  يقول عن المسيح إنه هو "الذي به أيضاً عمل (الله) العالمين."عبرانيين 1: 2  والترجمة الأفضل هنا هي "الذي به أيضاً عمل الدهور."  وهكذا فإن الزمن الذي يحيط بنا قد جاء من يدي ذاك الذي يحيط بكل شيء، أي المسيح.

 

هو الخالق على نفس المستوى مع الآب

لا يدل تعبير "به" على دور تابع أو أقل في الخلق.  فنفس هذا التعبير يستخدم أيضاً للإشارة إلى دور الله الآب في الخلق.  يقول بولس رسول المسيح: "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه... لأن منه وبه كل الأشياء."رومية 11: 36  ويقول أيضاً كاتب الرسالة إلى العبرانيين عن الله بوحيه: "لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام."عبرانيين 1: 10  فإن كان الكون قد خلق بالله الآب، فإنه خلق بنفس القدْر بالمسيح.  والفكرة الكامنة من وراء التعبيرات المختلفة التي تنسب كل خلق للمسيح ("فيه" أو "به") هي أنه العقل المهندس المصمم للخليقة, وأنه هو أيضاً المهندس التنفيذي المبدع الذي حول التصميم إلى حقيقة واقعة.  وينطبق هذا بنفس المقدار على الآب.  ويؤكد هذه الفكرة بولس رسول المسيح حين يقول: "لنا إله واحد: الآب الذي منه جميع الأشياء، ونحن له، ورب واحد: يسوع المسيح، الذي به جميع الأشياء ونحن به."كورنثوس 8: 6  وإن من الجدير بالملاحظة أن النص السابق يقول عن الله "الذي من أجله الكل وبه الكل." ويقول الرسول بولس نفسه في موضع آخر عن المسيح: "الكل به وله قد خلق."كولوسي 1: 16  وهذا يعني أيضاً أن الخليقة كلها مصنوعة من أجل الله ومن أجل المسيح في نفس الوقت.  إنها له، أي من أجل مجده.  إنها ملكه باعتباره خالقها، وهو غايتها، وهي تتحرك نحوه شاءت أم بتْ.  

 

اشتراك مع الآب في عملية الخلق

تأخذ حقيقة دور المسيح في الخليقة أهميتها من كون العهد القديم ينسب الخلق إلى الله.  وهو يستخدم أحياناً تعبير إيلوهيم الذي يدل على الله في صيغة الجميع.  وهذه هي الصيغة العبرية المستخدمة في أول آية في سفْر التكوين: "في البدء خلق الله (أي إيلوهيم) السماوات والأرض."تكوين 1: 1  وفي صيغة الجمع هذه تضمين للتعدد في اللاهوت الواحد.  وهذا أمر سنعود إليه لاحقاً.  أما الآن، فلنستمعْ إلى جزء شيق من قصة الخليقة.  تقول كلمة الله:  "نعمل (أي هيا نعمل) الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر،وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض."تكوين 1: 26  هذه دعوة إلى الخلق.  لكن إلى من يوجه الله هذه الدعوة.  لنلاحظْ أن الوحي الإلهي يستخدم صيغة الجمع في حديث الله.  وهذا أمر له دلالته المؤكدة إذا عرفنا أن اللغة العبرية لم تكن تستخدم لغة التعظيم حتى عندما يتكلم الله.  فلمن يقول "هيا نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا"؟

 

 لا علاقة للملائكة بعملية الخلق

هل الملائكة هنا هم المقصودون كما حاول بعضهم أن يقول؟  بالطبع لا.  فليس للملائكة دور في خلق الإنسان.  فالخلق هو بالضرورة لله وحده.  وفضلاً عن ذلك، لا يقول الكتاب المقدس في أي مكان إن الملائكة مخلوقون على صورة الله كشبهه.  ولا يجيز المنطق أن يضع الله نفْسه مع الملائكة في نفس الفئة ونفس الوظيفة؛ فمن شأن هذا أن يرفعهم إلى مستوى الله أو أن ينْزل الله إلى مستواهم؛ وكلا الخيارين مرفوض جملةً وتفصيلا.  والآية التالية توضح من هو المقصود.  تقول كلمة الله: "فخلق الله (أي إيلوهيم) الإنسان على صورته كشبهه."تكوين 1: 27  فالمشمولون بالقول "هيا نعمل" يحملون اسم الله.  ولا شك أن المقصود هنا أن الله الآب يدعو كلمته الأزلي، أي المسيح، والروح القدس, إلى الاشتراك في عملية خلق الإنسان.  وسنتوسع في هذا الأمر في حينه.

 

شهادة داود

يقدم لنا داود في أحد مزاميره مقطعاً رائعاً عن الله ودوره في الخليقة. وهو مقطع حاسم في إظهار هوية المسيح ودوره في الخلق.  يقول صاحب المزامير: "يا إلهي، لا تقْبضْني في نصف أيامي.  إلى دهر الدهور سنوك.  من قدم سسْت الأرض، والسماوات هي عمل يديك.  هي تبيد وأنت تبقى.  وكلها كثوب تبلى، كرداء تغيرهن فتتغير.  وأنت هو وسنوك لا تنتهي."مزمور   34:102-37   إن أولى الملاحظات الجديرة بالذكر هنا هي أن المخاطب هنا في النص العبري هو الله باسمه المعروف يهوه، فلا سبيل إلى القول إنه يتحدث عن إله آخر أو إله ثانوي.  ثانياً، يتوسل داود إلى الله يهوه أن لا يميته في منتصف حياته.  فداود يخاطب الله الذي في يده مصائر الناس.  ثالثاً إن هذا الإله أبدي، كما يجب أن يكون الله الحقيقي.  رابعاً، لقد خلق الأرض منذ القدم، أي منذ الأزل.  ويقول أيضاً إن السماوات هي عمل يديه.  خامساً، ذات يوم ستبيد الأرض والسماوات بما فيها من جرام بعد أن يبليها الزمن.  هي قابلة للتغير.  وأما هو فلا يتغير.  سادساً، هو الذي يطوي الأرض والسماوات كثوب، ويغيرهن بأرض وسماوات أخرى.  فمن هو هذا الإله؟

 

وحي العهد الجديد يشرح كلام داود

يتطوع كاتب الرسالة إلى العبرانيين بالإجابة عن هذا السؤال بوحي الله.  فيعمد إلى اقتباس نفس المقطع مطبقاً إياه على المسيح ابن الله.  يقول:  "وأما عن الابن (فيقول): "أنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك.  هي تبيد ولكن أنت تبقى. وكلها كثوب تبلى.  وكرداء تطويها فتتغير.  ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفنى."عبرانيين  10:1-12  وهكذا يوضح الوحي الإلهي أن ذاك الذي خلق السماوات والأرض ويحمل اسم يهوه هو المسيح ابن الله.  وما دمنا قد قبلْنا الدليل الكتابي على أن خالق السماوات والأرض هو المسيح, لنستمعْ إلى آية على فم الرب نفسه وردها النبي إشعياء45: 18:" لأنه هكذا قال الرب: خالق السماوات هو الله, مصور الأرض وصانعها.  هو قررها. لم يخلقْها باطلاً؛ للسكن صورها. أنا الرب وليس آخر."

المسيح يعلن أنه يطيل الأعمار

لكن هل يوجد في العهد الجديد نص صريح على أن المسيح مسؤول بشكل مباشر عن حفظ حياة الناس وإطالة أعمارهم؟ يبدو أن هذا هو بالفعل ما تعلمه كلمة الله ومن فم المسيح المبارك نفسه.  حس بطرس على ما يظهر بنوع من الغيرة أو المنافسة غير المرغوب فيها بسبب اتباع يوحنا للمسيح.  فقال للمسيح وكأنه يطلب إليه أن يلغي وجود منافسه من طريقه وحياته, "يا رب, وهذا ما له؟" فجاء جواب يسوع مذهلاً:"قال له يسوع: إن كنت أشاء أنه يبقى (أي أن يظل على قيد الحياة) حتى أجيء, فماذا لك؟ اتبعْني أنت!" يوحنا 21: 21-22  والمعنى واضح هنا.  فحياة يوحنا هي في يد المسيح, ويعتمد عمره وبقاؤه على الأرض على مشيئة المسيح الشخصية.

 

معنى "بكر كل خليقة"

إن كولوسي 1: 15 هي من الآيات التي يستخدمها بعضهم في محاولة للإبهام بأن المسيح كائن مخلوق.  تقول الآية عن السيد المسيح إنه "بكْر كل خليقة".  ويقول هؤلاء إن كلمة "بكْر" تفيد الخلق.  لكن هذا أمر بعيد كل البعد عن الصحة.  فكلمة بكر "تتضمن في ما تتضمن الولادة لا الخلق.  وإذا أخذْنا كلمة "بكر" بهذا المعنى، فإنها لا يمكن أن تكون مرتبطةً بكل خليقة، فالبكْر بالمعنى البشري الضيق هو مولود حي.  ولا بد أن يكون إخوة هذا البكر كلهم أشخاصاً أحياءً عاقلين، لكن تعبير "كل خليقة" يتضمن أيضاً مادة جامدةً خاليةً من الحياة كالنجوم، على سبيل المثال.

لكن ماذا تعني كلمة "بكر" في السياق الكتابي.  فهذا هو العامل الحاسم في التفسير والفهم الصحيحين.  سبق أن استخدم الوحي تعبير "ابني البكر" في سفر الخروج4 : 23  في إشارة إلى بني إسرائيل الذين جعل منهم شعباً له لأول مرة في مصر.  فالتعبير يدل هنا في ما يتعلق بإسرائيل قديماً على الاختيار والتبني, بصفتهم أول شعب آمن به. ولا علاقة له بعملية خلق مادية.  ويستخدم هذا التعبير للإشارة إلى صاحب الحق في الإرث وحمْل اسم الأب.  وهو لا ينطبق دائماً على الابن الذي ولد أولاً.  إذْ يخبرنا الكتاب المقدس أن يعقوب أخذ حق البكورية الذي كان لأخيه عيسو الذي يكبره.  فقد ثمن يعقوب حق البكورية في حين أن عيسو استهان بهويقول الله عن داود في المزامير، "أنا أيضاً أجعله بكْراً، أعلى من ملوك الأرض."مزمور 89: 27  لم يكن داود بكر أبيه، بل ثامن إخوته.  ومن المؤكد أنه لم يكن أول ملك على الأرض.  لكن الله جعله بكراً، أي أعلى من ملوك الأرض.  وهكذا هو المسيح بالنسبة للخليقة.  إذ له المنزلة الأولى لأنه بداءة الخليقة، أي أصلها.  وهذا هو تماماً ما تقوله الآيات التالية:  "الذي هو ... بكر كل خليقة.  فإن فيه خلق الكل." وهكذا تقدم الجملة المبدوءة بكلمة "فإن" تفسيراً للسبب الذي دعا الوحي الإلهي إلى أن يطلق على المسيح في الجملة السابقة لقب "بكْر كل خليقة".  فهل نظرنا باحترام ووقار لائق لهذا المسيح الذي نحن له بفضل افتدائه لنا:"عالمبن أنكم افتديتم...بدم كريم, دم المسيح"؟ بطرس 1: 19  وتقول كلمة الله أيضاً:"قد اشتريتم بثمن."  1 كورنثوس 6: 20

 

أسئلة الفصل الرابع

كيف نعرف أن استخدام تعبير "فيه" أو "به" أي بالمسيح، لا يدل على دور ثانوي له في عملية الخلق؟

ماذا عنى يسوع في حديثه إلى بطرس عن يوحنا، "إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء، فماذا لك"؟

ما المقصود بالقول إن المسيح هو "بكر كل خليقة"؟ وكيف يستخدم الكتاب المقدس تعبير "بكر"؟

 


www.agape-jordan.com - 2005